بأنّه عالم قادر ، وليس الوصف له بالحياة كالوصف للأجساد بالحياة حسب ما قدّمناه ، وقد يعبّر عنه " بالروح " .
وعلى هذا المعنى جاءت الأخبار ، إنّ الروح إذا فارقت الجسد نعّمت وعذّبت [1] .
والمراد أنّ الإنسان الذي هو الجوهر البسيط ، يسمّى الروح ، وعليه الثواب والعقاب ، وإليه توجّه الأمر والنهى والوعد والوعيد . وقد دلّ القرآن على ذلك ، بقوله تعالى :
* ( يا أَيُّهَا الإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ ) * .
فأخبر تعالى أنّه غير الصورة ، وأنّه مركّب فيها . ولو كان الإنسان هو الصورة ، لم يكن لقوله تعالى : * ( فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ ) * معنى لأنّ المركّب في الشيء غير الشيء المركّب فيه . ولا مجال أن تكون الصورة مركّبة في نفسها وعينها لما ذكرناه ، وقد قال سبحانه في مؤمن آل يس : قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي " . فأخبر أنّه حيّ ناطق منعّم وإن كان جسمه على ظهر الأرض أو في باطنها ، وقال اللَّه تعالى : ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّه أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ( 3 ) .
فأخبر أنّهم أحياء وإن كانت أجسادهم على وجه الأرض أمواتا لا حياة فيها .
وروي عن الصادق عليه السّلام أنّهم قالوا : " إذا فارقت أرواح المؤمنين أجسادهم أسكنها اللَّه تعالى في أجسادهم التي فارقوها فينعّمهم في جنّته " ( 4 ) وأنكروا ما ادّعته العامّة من أنّها تسكن في حواصل الطيور الخضر وقالوا :
" المؤمن أكرم على اللَّه من ذلك " ( 5 ) .
ولنا على المذهب الذي وصفناه ، أدّلة عقليّة لا يطعن المخالف فيها ونظائرها ، لما ذكرناه من الأدّلة السمعيّة ، وباللَّه أستعين ( 6 ) .