بالتأويل والظنّ والحسبان والرأي ، لإسنادهم مقالتهم في ذلك إلى من ندب النبي صلَّى اللَّه عليه وآله إلى الرجوع إليه عند الاختلاف ، وأمر باتّباعه في الدين ، وأمّن متبعه من الضلال .
ثم أنّ دليل القرآن يعضده البيان ، وذلك أنّ اللَّه تعالى أخبر عمّن ذكره بالشدّة على الكفّار ، والرحمة لأهل الإيمان ، والصلاة له ، والاجتهاد في الطاعات ، بثبوت صفته في التوراة والإنجيل ، وبالسجود للَّه تعالى وخلع الأنداد ، ومحال وجود صفة ذلك لمن سجوده للأوثان ، وتقرّبه للَّات والعزّى ، دون اللَّه الواحد القهّار ، لأنّه يوجب الكذب في المقال ، أو المدحة بما يوجب الذّم من الكفر والعصيان .
وقد اتّفقت الكافّة على أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعدا وسعيدا وأبا عبيدة وعبد الرحمن قد عبدوا قبل بعثة النبي صلَّى اللَّه عليه وآله الأصنام ، وكانوا دهرا طويلا يسجدون للأوثان من دون اللَّه تعالى ، ويشركون به الأنداد ، فبطل أن تكون أسماؤهم ثابتة في التوراة والإنجيل بذكر السجود على ما نطق به القرآن .
وثبت لأمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيّته عليه السّلام ذلك ، للاتّفاق على أنّهم لم يعبدوا قطَّ غير اللَّه تعالى ، ولا سجدوا لأحد سواه ، وكان مثلهم في التوراة والإنجيل واقعا موقعه على ما وصفناه ، مستحقّا به المدحة قبل كونه ، لما فيه من الإخلاص للَّه سبحانه على ما بيّنّاه .
ووافق دليل ذلك برهان الخبر عمّن ذكرناه من علماء آل محمّد ( صلوات اللَّه عليهم ) ، بما دلّ به النبي صلَّى اللَّه عليه وآله من مقاله الذي اتّفق العلماء عليه ، وهذا أيضا ممّا لا يمكن التخلَّص منه مع الإنصاف .
فصل على أنّه يقال لهم : خبّرونا عن طلحة والزبير ، أهما داخلان في جملة الممدوحين بقوله تعالى : * ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه والَّذِينَ مَعَه أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ) * إلى آخره ، أم غير داخلين في ذلك ؟ فإن قالوا : لم يدخل طلحة والزبير ونحوهما في جملة القوم .
خرجوا من مذاهبهم وقيل لهم : ما الذي أخرجهم من ذلك ، وأدخل أبا بكر وعمر وعثمان ، فكلّ شيء تدّعونه في استحقاق الصفات ، فطلحة والزبير أشبه أن يكونا عليها