حقيقة النصر ومعنى نصرة اللَّه في حقّ الحسين المسألة الحادية والعشرون : وسأل عن قوله تعالى : * ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهادُ ) * .
وقال : في هذه الآية تأكيد ، فقد أوجب تعالى بأنّه ينصرهم في الحالين جميعا ، في الدنيا والآخرة ، وهذا الحسين بن عليّ عليه السّلام حجّة اللَّه قتل مظلوما فلم ينصره أحد ، واللَّه تعالى غضب لناقة فأهلك الأرض ومن عليها ، وقد قتل هو وأهل بيته وسبي الباقون منهم فأملى اللَّه لهم ولم يظهر غضبه عليهم . فليعرفنا ما عنده في ذلك مأجورا ، إن شاء اللَّه تعالى .
والجواب : - وباللَّه التوفيق - : أنّ اللَّه تعالى وعد رسله والمؤمنين في الدنيا والآخرة بالنصر ، فأنجز وعده في الدنيا ومنجز لهم وعده في الآخرة . وليس النصر الذي وعدهم به في الدنيا هو الدولة الدنيوية ، والإظفار لهم بخصومهم ، والتهليك لهم إيّاهم بالغلبة بالسيف والقهر به .
وإنّما هو ضمان لهم بالحجج البيّنات والبراهين القاهرات ، وقد فعل سبحانه ذلك ، فأيّد الأنبياء والرسل والحجج من بعدهم بالآيات المعجزات ، وأظهر هم على أعدائهم بالحجج ، البالغات وخذل أعداءهم بالكشف عمّا اعتمدوه من الشبهات ، وفصحهم بذلك وكشف عن سرائرهم وأبدى منهم العورات .
وكذلك حال المؤمنين في النصر العاجل ، إذ هم مؤيّدون في الدنيا بالبيّنات ، وأعداؤهم مخذولون بالالتجاء إلى الشبهات .
فأمّا ما وعدهم تعالى من النصر في الآخرة ، فإنّه بالانتقام لهم من الأعداء وحلول عقابه بمن خالفهم من الخصماء ، وحميد العاقبة لهم بحلول دار الثواب وذميم عاقبة أعدائهم بصليهم في العذاب الدائم والعقاب .
ألا ترى إلى قوله تعالى : * ( ولَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) * . فأخبر عزّ اسمه ، أنّه لا ينفع أعداء الرسل والمؤمنين معاذيرهم في القيامة ، وأنّ لهم فيها اللعنة وهي الطرد عن الخير