وقال تعالى فيما خبّر به عن نوح عليه السّلام في خطابه لقومه : اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً [1] إلى آخر الآيات .
فاشترط لهم في مدّ الأجل وسبوغ النعم الاستغفار ، فلمّا لم يفعلوه ، قطع آجالهم وبتر أعمارهم واستأصلهم بالعذاب .
فالبداء ، من اللَّه تعالى يختصّ ما كان مشترطا في التقدير وليس هو الانتقال من عزيمة إلى عزيمة ، ولا من تعقّب الرأي ، تعالى اللَّه عمّا يقول المبطلون علوّا كبيرا .
وقد قال بعض أصحابنا : إنّ لفظ البداء ، أطلق في أصل اللغة على تعقّب الرأي والانتقال من عزيمة إلى عزيمة ، وإنّما أطلق على اللَّه تعالى على وجه الاستعارة ، كما يطلق عليه الغضب والرضا مجازا غير حقيقة ، وأنّ هذا القول لم يضر بالمذهب ، إذ المجاز من القول يطلق على اللَّه تعالى فيما ورد به السمع ، وقد ورد السمع بالبداء على ما بيّنّا .
والذي اعتمدناه في معنى البداء ، أنّه الظهور على ما قدّمت القول في معناه فهو خاصّ فيما يظهر من الفعل الذي كان وقوعه يبعد في النظر [ الظنّ ] دون المعتاد ، إذ لو كان في كلّ واقع من أفعال اللَّه تعالى لكان اللَّه تعالى ، موصوفا بالبداء في كلّ أفعاله ، وذلك باطل بالاتّفاق [2] .
ومن كلامه أيضا في معنى البداء المسألة السابعة والثلاثون : وسأل عن قول الصادق عليه السّلام : " ما بدا للَّه في شيء ما بدا له في إسماعيل " [3] ، وقال : هل يبدأ شيئا ثم ينقضه قبل تمامه ؟
والجواب : أنّ البداء من اللَّه تعالى هو الظهور ، فإذا ظهر من أفعاله ما لم يكن في الاحتساب والظنون قيل في ذلك : بدا للَّه كذا وكذا ، وقد قال اللَّه عزّ وجلّ : * ( وبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّه ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) *