كان قد أعلم في الجملة أنّه لم يخلق الخلق عبثا ، وإنّما خلقهم للحكمة والمصلحة ، ودلّ على ذلك بالعقل والسمع .
فقال سبحانه : * ( وما خَلَقْنَا السَّماءَ والأَرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) * ، وقال : أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً [1] ، وقال : إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناه بِقَدَرٍ [2] ، يعني بحقّ ووضعناه ، في موضعه ، وقال : وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [3] ، وقال فيما تعبّد : لَنْ يَنالَ اللَّه لُحُومُها ولا دِماؤُها ولكِنْ يَنالُه التَّقْوى مِنْكُمْ [4] .
وقد يصحّ أن يكون اللَّه خلق حيوانا بعينه ، لعلمه بأنّه يؤمن عند خلقه كفّار أو يتوب عند ذلك فسّاق ، أو ينتفع به مؤمنون ، أو يتّعظ به ظالمون ، أو ينتفع المخلوق لنفسه بذلك ، أو يكون عبرة لواحد في الأرض ، أو في السماء وذلك مغيب عنّا ، وإن قطعنا في الجملة أنّ جميع ما صنع اللَّه تعالى إنّما صنعه لأغراض حكيمة ولم يصنعه عبثا [5] .
القول في تكليف الملائكة إنّ الملائكة مكلَّفون وموعودون ومتوعّدون ، قال اللَّه تبارك وتعالى : * ( ومَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِله مِنْ دُونِه فَذلِكَ نَجْزِيه جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ) * .
أقول : أنّهم معصومون ممّا يوجب لهم العقاب بالنار ، وعلى هذا القول جمهور الإمامية وسائر المعتزلة وأكثر المرجئة وجماعة من أصحاب الحديث ، وقد أنكر قوم من الإمامية أن يكون الملائكة مكلَّفين ، وزعموا أنّهم إلى الأعمال مضطرّون ، ووافقهم