وقوله تعالى : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها ولِلأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [1] .
وهو سبحانه ، لم يخاطب السماء بكلام ، ولا السماء قالت قولا مسموعا ، وإنّما أراد أنّه عهد إلى السماء ، فخلقها فلم يتعذر عليه صنعها . فكأنّه لما خلقها ، قال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ، فلما انفعلت بقدرته كانتا كالقائل أتينا طائعين ومثله قوله تعالى :
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [2] . واللَّه تعالى يجلّ عن خطاب النار وهي ممّا لا تعقل ولا تتكلَّم ، وإنّما عبّر عن سعتها وأنّها لا تضيق بمن يحلَّها من المعاقبين .
وذلك كلَّه على مذهب أهل اللغة وعادتهم في المجاز ، ألا ترى قول الشاعر :
وقالت له العينان سمعا وطاعة وأسبلتا بالدّر لمّا يثقب والعينان لم تقل قولا مسموعا ، ولكنّه أراد منهما بالبكاء ، فكانتا كما أراد من غير تعذّر عليه ، ومثله قول عنترة :
فازوزّ من وقع القنا بلبانه وشكى إليّ بعيرة وتحمحم والفرس لا يشتكي قولا ، ولكنّه ظهر منه علامة الخوف والجزع ذلك فسمّي ذلك قولا .
ومنه قول الآخر :
شكى إلى جملي طول السّرى . . . .
فالجمل لا يتكلَّم ، لكنّه لما ظهر منه النصب والوصب لطول السّرى عبّر عن هذه العلامة بالشكوى الَّتي تكون كالنطق والكلام .
ومنه قوله :
امتلأ الحوض وقال قطني [3] .