والحوض لا يقل قطني ، لكنّه امتلأ بالماء فعبّر عنه بأنّه قال حسبي حسبك منّي قد ملأت بطني ولذلك أمثال كثيرة في منظوم كلام العرب ومنثوره وهو من الشواهد على ما ذكرناه في تأويل الآية ، ونسأل اللَّه تعالى التوفيق [1] .
[ وقال الشيخ في موضع آخر قريب هذه المضامين في شبة إنطاق الذّر : ] المسألة الخامسة والأربعون : وسأل عن قوله تعالى : * ( وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) * .
قال : فكيف يصحّ خطاب أشباح غير مكلَّفين ؟ ومع هذا فلسنا نرى أحدا يذكر ذلك في الدنيا ، ولسنا نعلم ذلك عموما أم خصوصا ، فليعرفنا ما عنده في ذلك إن شاء اللَّه .
والجواب : أنّ الآية تتضمّن أخذ اللَّه من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم ، وليست متضمّنة أخذها من ظهر آدم ، على ما تخيّله فريق من الناس .
والذي أخذه اللَّه من ذرّيّة آدم هو العهد . وأخذ العهد منهم بإكمال عقولهم وإلزام أنفسهم دلالة حدوثهم والحجّة عليهم بالربوبيّة ، وذلك هو الإشهاد لهم على أنفسهم .
وإخباره عنهم بأنّهم " قالوا : بلى " ، مجاز في الكلام يفيد أنّهم غير منكرين آثار الصنعة فيهم ، وقيام الحجّة عليهم لباريهم بالإلهية والتوحيد والإيجاب والإقرار له ، والاعتراف منهم بنعمته عليهم ، والشكر له على ذلك .
ومثله قوله تعالى : ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها ولِلأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [2] . وهو تعالى لم يقل للسماء والأرض قولا صريحا :
" ائتيا " ، لكنّه فعلهما فكان بفعله بهما ، وتيسّر ذلك عليه كالقائل لغيره : ائت فأتاه من غير تعذّر ولا تثبت . ولم تقل السماء والأرض قولا صريحا : أَتَيْنا طائِعِينَ ، بل انفعلتا بمشيئة اللَّه تعالى ولم يتعذّر صنعهما عليه . فكانتا بذلك كالمجيب لمن دعاه مسرعا وأطاعه باخعا ، وقال : سمعا وطاعة ، والعرب تتوسّع بمثل هذا الكلام في نحو ما ذكرناه .