نزلت في أهل البصرة ، بما رويناه عن حذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر ، وقد جاءت الأخبار بمثل ذلك عن أمير المؤمنين عليه السّلام ، ووردت بمعناه عن عبد اللَّه بن مسعود ، ودلَّلنا أيضا على كفر محاربي أمير المؤمنين عليه السّلام بما لا يخفى الصواب فيه على ذوي الإنصاف ، وذلك موجب لردّتهم عن الدين الذي دعا اللَّه تعالى إليه العباد ، فبطل صرف تأويلها عن هذا الوجه إلى ما سواه .
فصل مع أنّ متضمّن الآية وفوائدها وما يتّصل بها ممّا بعدها يقضي بتوجّهها إلى أمير المؤمنين عليه السّلام ، فإنّه المعنيّ بالمدحة فيها ، والمشار إليه في جهاد المرتدّين ، دون من ظنّوه بغير بصيرة وتوهّموه .
وذلك أنّ اللَّه سبحانه توعّد المرتدّين عن دينه بالانتقام منهم بذي صفات مخصوصة بيّنها في كتابه ، وعرّفها كافّة عباده ، بما يوجب لهم العلم بحقائقها ، وكانت بالاعتبار الصحيح خاصّة لأمير المؤمنين عليه السّلام دون المدّعى له ذلك بما لا يمكن دفعه إلَّا بالعناد :
فأوّلها : وصفهم بأنّهم يحبّون اللَّه تعالى ويحبّهم اللَّه .
وقد علم كلّ من سمع الأخبار اختصاص أمير المؤمنين عليه السّلام بهذا الوصف من الرسول صلَّى اللَّه عليه وآله وشهادته له به يوم خيبر حيث يقول : " لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللَّه ورسوله ، ويحبّه اللَّه ورسوله ، كرّارا غير فرّار ، لا يرجع حتّى يفتح اللَّه على يديه " [1] .
فأعطاها عليّا عليه السّلام ولم يرد خبر ولا جاء أثر بأنّه صلَّى اللَّه عليه وآله وصف أبا بكر ولا عمر ولا عثمان بمثل ذلك في حال من الأحوال ، بل مجيء هذا الخبر بوصف أمير المؤمنين عليه السّلام بذلك عقيب ما كان من أبي بكر وعمر في ذلك اليوم من الانهزام ، واتّباعه بوصف الكرّار دون الفرّار ، موجب لسلب الرجلين معنى هذه المدحة كما سلبهما مدحة الكرّ ، وألزمهما ذمّ الفرار .