تعالى : ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ [1] ، أنّ الناس هاهنا واحد ، وقوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [2] ، نزلت في واحد بعينه نادى النبي صلَّى اللَّه عليه وآله فقال : يا محمد إنّ مدحي زين ، وإنّ شتمي شين .
وقد جنى مخالفونا في هذا الباب على أنفسهم جناية واضحة ، وذلك قولهم إنّ المعنيّ بقوله : والَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وصَدَّقَ بِه أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [3] نزلت في واحد بعينه وهو أبو بكر بن أبي قحافة ، على قولهم ، فكيف جاز أن يعبّر عن أبي بكر بلفظ الجمع وفسد أن يعبّر عن أمير المؤمنين عليه السّلام بذلك لولا الخزي والخذلان ؟ نعوذ باللَّه من عدم التوفيق !
فصل وأمّا مسألتهم : من أين صار النصّ أولى من الاختيار ؟
فالجواب : أنّه كان كذلك ، لأنّ من شرط الإمام أنّه الأفضل عند اللَّه والأعلم الأشجع الأصلح ، وذلك ممّا لا يعلم المستحقّ له على التعيين بالعقل ولا بالحدس ، فثبت أنّه لا طريق إليه إلَّا بالنصّ من العالم بالسرائر ، والتوقيف منه عليه .
وأيضا ، فإنّ الإمام يجب أن يكون معصوما كعصمة النبي صلَّى اللَّه عليه وآله ، ولا طريق إلى العلم بالعصمة إلَّا من جهة النصّ من صادق عن اللَّه ، أو علم معجز خارق للعادات .
وأيضا فإنّ الاختيار طريقة ، السمع دون العقول . وليس في الشرع فرض الاختيار ولا إباحته ، فبطلت الدعوى له في الإمامة ، وفي بطلانها ثبوت النصّ والتوقيف [4] .
فنفى عمّن كفر بنبيّ اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله الإيمان ، ولم يثبت له مع الشكّ فيه المعرفة باللَّه