عن تكراره وإعادته .
وأمّا هذا المحكي عن أصحاب أبي هاشم [1] فلأنّ المحفوظ عنهم : أنّ الإنسان المخاطب المأمور المنهي هو البنية التي لا تصحّ الحياة إلَّا بها ، وما سوى ذلك من الجسد فليس بإنسان ، ولا يتوجّه إليه أمر ولا نهي ولا تكليف .
وإن كان القوم يزعمون أنّ تلك البنية لا تفارق ما جاورها من الجسد فيعذّب أو ينعم ، فهو مقال يستمرّ على أصلهم إذا كانت البنية التي ذكروها هو المكلَّف المأمور المنهي ، وباقي جسده في القبر ، إلَّا أنّهم لم يذكروا كيف يعذّب من يعذّب ، ويثاب من يثاب أفي دار غير الدنيا أم فيها ؟ وهل يحيى بعد الموت ، أو يفارق الجملة في الدنيا فلا يلحقه موت ؟ ثم لم يحك عنهم في أيّ محلّ يعذّبون ويثابون .
وما قالوه من ذلك فليس به أثر ، ولا يدلّ عليه العقل ، وإنّما هو مخرج منهم على الظنّ والحسبان . ومن بنى مذهبه على الظنّ في مثل هذا الباب ، كان بمقالته مضطربا .
ثم إنّه يفيد قولهم من بعد : ما دلّ على أنّ الإنسان المأمور المنهي ، هو الجوهر البسيط ، وأنّ الأجزاء المؤلَّفة لا يصحّ أن تكون فعّالة ، ودليل ذلك يطول بإثباته الكتاب ، وفيما أومأنا إليه منها كفاية فيما يتعلَّق به السؤال . وباللَّه التوفيق [2] .
المسألة الخامسة والعشرون : وسأل عن قوله تعالى : * ( ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّه أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) * وقال : فهل يكون الرزق بغير جسم ؟ وما صورة هذه الحياة ؟ فإنّا مجمعون على أنّ الجواهر لا تتلاشي ، فما حينئذ الفرق في الحياة بين الكافر والمؤمن ؟
والجواب : أنّ الرزق عندنا لا يكون إلَّا للحيوان ، والحيوان عندنا ليسوا بأجسام ، بل هم ذوات أخرجوا في هذا الدار إلى الأجساد ، وتعذر عليهم كثير من الأفعال إلَّا بها ، وصارت آلة لهم في للَّه الأفعال والاكتساب ، فإن أغنوا عنها بعد الوفاة ، جاز أن يرزقوا مع