ولَوْ نَشاءُ لأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ ولَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [1] ، فدّله عليهم بمقالهم وجعل الطريق إلى معرفتهم ما يظهر من نفاقهم في لحن قولهم ، ثم أمره بمشورتهم ليصل بما يظهر منهم إلى علم باطنهم ، فإنّ الناصح تبدو نصيحته في مشورته ، والغاشّ المنافق يظهر ذلك في مقاله ، فاستشارهم صلَّى اللَّه عليه وآله لذلك ، ولأنّ اللَّه جلّ جلاله جعل مشورتهم الطريق إلى معرفتهم .
ألا ترى أنّهم لمّا أشاروا ببدر عليه صلَّى اللَّه عليه وآله في الأسرا فصدرت مشورتهم عن نيّات مشوبة في نصيحته ، كشف اللَّه تعالى ذلك له وذمّهم عليه وأبان عن إدغالهم فيه فقال جلّ وتعالى : ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَه أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا واللَّه يُرِيدُ الآخِرَةَ واللَّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [2] ، فوجّه التوبيخ إليهم والتعنيف على رأيهم وأبان لرسوله صلَّى اللَّه عليه وآله عن حالهم ، فيعلم أنّ المشورة لهم ، لم تكن للفقر إلى آرائهم وإنّما كانت لما ذكرناه [3] .
حياة الشهداء المسألة السادسة : ما قوله - أدام اللَّه تمكينه - في قول اللَّه عزّ وجلّ : * ( ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّه أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) * . أهم أحياء في الحقيقة على ما تقتضيه الآية الشريفة أم الآية مجاز ؟ وهل أجسادهم الآن في قبورهم ، أم في الجنة ، فإنّ المعتزلة من أصحاب أبي هاشم يقولون : إنّ اللَّه تعالى ينزع من جسد كلّ واحد منهم أجزاء قدر ما يتعلَّق به الروح ، وأنّ اللَّه تعالى يرزقهم على ما نطقت به الآية ، وما سوى هذا من أجزاء أبدانهم فهي في قبورهم كأجساد سائر الموتى .
الجواب : هو ما قدّمناه في المسألة السابقة ، وقد ثبت ما فيه ببيان يستغنى بوضوحه