احتكاك المسلمين بأصحاب الديانات الأخرى ، كاليهود والنصارى والزرادشت والمانويين والبوذيين ، بالإضافة إلى أسباب سياسية غيرها نشأت أيام الخلافة العباسية مثل القول بخلق القرآن ، لكن خصوصية القرآن نفسها ساهمت مساهمة كبيرة ومؤثرة في بروز عملية الاستدلال ، وتحكيم الأصول العقلية البديهية ، والاهتمام بالحقائق والرجوع إلى العلوم الطبيعية وحوادث التأريخ .
فكان العالم الحكيم والمصلح الكبير زعيم المتكلمين محمد بن محمد بن النعمان ، المعروف بالشيخ المفيد ، واحدا ممّن استخدموا الطريقة الكلامية في التفسير وأغنوها .
ورغم ان الشيخ المفيد رحمه اللَّه لم يضع تفسيرا مستقلا مدوّنا بمنهجيّة عامة ، لكن مجموع ما حرّره من الكتب العقائدية والتاريخية والفقهيّة جسّد بوضوح هذه المنهجيّة في التفسير ، فعند ما نراجع تراث الشيخ المفيد نلمح أهم وأبرز سماته تتمثّل في عقلانيته في التعامل مع قضايا الفكر الديني .
وهذه الخصيصة ، تدعو القاري للإعجاب به وتدفعه للخوض في طريقته ودقته الاستدلالية ، وبهذه الطريقة ، نراه رحمه اللَّه يتعامل مع النصوص وظواهر النصوص المقدّسة ، إلَّا أنّ ما يدعو للأسف أنّنا لم نعثر على كتب علوم القرآن المستقلَّة لهذه الشخصيّة العلميّة الفذّة ، وإن كانت عناوينها والحمد للَّه مثبتة في الفهارس وأمّهات الكتب . وتلكم العناوين تعكس هذا الاتجاه الذي سلكه الشيخ رحمه اللَّه :
وعناوين هذه الكتب هي كالآتي :
1 - النصرة في فضائل القرآن .
2 - البيان في تأليف القرآن .
3 - الكلام في وجوه إعجاز القرآن .
4 - جوابات أبي الحسن السبط المعالي بن زكريا في إعجاز القرآن . وهي تعكس كما أشرنا ، المنحى الكلامي لفكر الشيخ المفيد .
وإذا تجاوزنا هذه الكتب ، فإنّ ما وصلنا من تراث المفيد ، ملي بالمباحث التفسيرية على طريقته الكلاميّة . طريقة لم نعهدها قبل الشيخ في كتاب يذكر . وهذا ما نفتقر اليه اليوم في