الصواب أو الخطأ تختلف باعتبار شدة ظهور المرئي وخفائه ، وبينهما مراتب لا تكاد تتناهى كما أنّ مراتب الرؤية البصرية تختلف أيضا هذا الاختلاف وإن لم تكن افرادها كالأولى في الكثرة ، فإذا نظرت في ظلمة الليل الدامس « 1 » ، إلى رجل واقف في مقابلتك فلعلك لا ترى شخصه ولا شبحه أصلا فإذا انكشف السحاب ، وتجلى لك بعض النجوم ترى شبحا قائما في مقابلتك غير أنّك لا تعلم أنّه إنسان أو حجر موضوع أو شي آخر من الأجسام ، فإذا طلع الفجر تبيّن لك أنّه إنسان لكنك لا تعرف شخصه ولا اسمه وبزيادة النور يزيد العلم بخصوصياته ومشخصاته حتى أنّك بعد طلوع الشمس تعرف أوصاف الشخصية من لونه وشكله ، وتخطيط أعضائه وخصوصيات حركاته وأفعاله فينجلي لك جميع ذلك انجلاء ظاهرا واضحا مكشوفا لا خفاء فيه أصلا بل لا يخفى أنّك ربما ترى شبح ذلك الرجل وأنت تعرفه في ظلمة الليل ، ثم يتوارد عليه في رؤيته مراتب الظهور والانجلاء بعد شدة الظلمة والخفاء ، والمرئي في جميع ذلك هو ذلك الرجل المعلوم أولا .
وهذا الكلام في الرؤية القلبية بلا فرق بين الصواب منها والخطأ ، كما أنّه لا فرق في الرؤية البصرية بين الأحول والصحيح .
وبالجملة فالاعتقادات الراسخة في القلب حقّا كان أو باطلا يشتدّ ظهورها وانجلاؤها وانكشافها بالمجاهدات والرياضات التي مدارها عندهم على الأمور الأربعة وهي الجوع ، والسهر ، والعزلة ، والصمت .
أمّا الجوع فإنه ينقص دم القلب فيبيّضه ، وفي بياضه نوره ، ويذيب شحم الفؤاد ، وفي ذوبانه رقّته ، وكما أنّ قسوته سبب الحجاب فرقّته سبب الانجلاء