الشخص الجزئي والتفكّر هو استفادة النفس من النفس الكلية ، وهي أشدّ تأثيرا وأقوى تعليما من جميع العلماء والعقلاء .
بل أقول : إنّ النفوس الإنسانية مجبولة على العلوم ، مستعدّة لها استعدادا قريبا وبعيدا .
فمنها ما هي لجمودها وقسوتها كالحجر الذي لم يذب بعد .
ومنها ما قد ذابت ولم يحصل له تمام التصفية والتنقية .
ومنها ما عرض له الرين والكدورات العرضية الخارجية ومنها ما لم يحصل له بالنسبة إلى المحسوس الخاصّ شرط المحاذاة إلى غير ذلك من المعدّات والشرائط المعتبرة في النفس الإنسانية أيضا . فإنّ الرياضيات العلميّة والعمليّة كالذوب لحجر الزجاج والبلَّور فكما أنّ الحجر بكثرة الذوب والتنقية والتصفية يصل إلى درجة البلَّور المستعدّ لانتقاش صور الأشياء المحسوسة فيها بعد إعمال الشرائط التي من جملتها إعمال شروط الانعطاف والمحاذاة وغيرها ، كذلك النفس الإنسانية إذا خرجت عن حدّ القوّة التي لها في أوان الطفوليّة ، وصقلت عن رين المعاصي وكدورات الشبهات ، ورفعت عنها حجب التقليد وموافقه المشايخ والعادات ووجه وجهها نحو الملكوت الأعلى المرتسم فيها صور الكائنات ، صارت كالمرآة المصقولة المحاذية شطر صورة المطلوب ، فإذا غلبت القوى البدنية على النفس بحسّ دواعيها كالشهوة والغضب وغيرها ، يحتاج المتعلَّم إلى زيادة المشقّة وطول الكسب ، وكثرة التعلَّم ، وإذا غلب العقل على أوصاف الحسّ ودواعيه استغنى الطالب بقليل التفكر عن كثير التعلَّم ، وربّ عالم تفكّر ساعة منه خير من تعلَّم سنة من الجاهل ، فطريق تكّسب العلوم لبعض الناس هو التعلَّم وللآخرين هو التفكّر ، والأوّل يحتاج إلى الثاني في الغالب دون العكس ، مع أنّ لبيان اختلاف