نام کتاب : بحوث في تاريخ القرآن وعلومه نویسنده : السيد مير محمدي زرندي جلد : 1 صفحه : 210
فلا تعارض بين الآيتين ، بل تكون إحداهما مفسرة للأخرى ، فلا نسخ . ولكن الذي يبدو لنا هو أن المستفاد من قوله " حق تقاته " أمر أعظم وأشد مما يستفاد من قوله تعالى " ما استطعتم " ، وكأن الآية الأولى تدل على أنه يجب تحصيل ما أراده الله تعالى وأحبه ، وترك ما نهى عنه وأبغضه بأي وجه أمكن وبأي طريق ، فلابد من أن يتحرز المكلف من النسيان والغفلة ، ولو بالاحتياطات الشاقة التي تمنع ذلك ، ومعلوم أن هذا أمر صعب جدا . وأما الآية " ما استطعتم " فهي تخفف ذلك ، وتقول : إننا الآن نطلب منكم قدر وسعكم ، أي بمقدار الوسع العرفي لا العقلي ، فحينئذ يكون بين الآيتين تعارض ، فلابد من القول بالنسخ . وهذا المعنى هو الذي يظهر من كل مورد وقع فيه نظير هذا التعبير ، كقوله تعالى * ( ما قدروا الله حق قدره ) * [1] ، وقوله سبحانه * ( فما رعوها حق رعايتها ) * [2] . وكقول الإمام ( عليه السلام ) لمعاوية بن وهب : يا معاوية ، ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل نعمته ثم لا يعرف الله حق معرفته [3] . ومن المعلوم أن معاوية بن وهب - مع جلالته وعظم شأنه - لم يكن يفقد المعرفة المتعارفة بالله عز وجل ، وإنما استحق العتاب منه ( عليه السلام ) بسبب عدم وصوله إلى حق المعرفة التي ترتفع عن مستوى المعرفة المتعارفة . إذا ، فيستفاد من كلمة " حق تقاته " درجة من التقوى تزيد على الدرجة التي تستفاد من قوله " ما استطعتم " . فتكون هذه ناسخة لتلك . هذا بالإضافة إلى أنه قد روي عدد من الروايات الدالة على النسخ في هذه الآية عن أئمة الهدى ( عليهم السلام ) ، ونحن نذكر على سبيل المثال :
[1] الزمر : 67 . [2] الحديد : 27 . [3] سفينة البحار : مادة " عرف " . وفيها : أن معاوية بن وهب سأل الإمام ( عليه السلام ) وقال : ما تقول : يابن رسول الله في الخبر الذي روي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رأى ربه على أي صورة يراه - إلى أن قال : - فتبسم ( عليه السلام ) فقال : ما أقبح بالرجل . . . الخ ، ثم قال : إن محمدا لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان .
نام کتاب : بحوث في تاريخ القرآن وعلومه نویسنده : السيد مير محمدي زرندي جلد : 1 صفحه : 210