الحرج المزعوم ، وإنَّما مكّنه هذا العماد من الكشف عن المدلول الحقيقي للفظ القرآني ممّا أدّى إلى كشف المزيد من الحقائق المترابطة معه في كلّ القرآن .
وفيما يلي مثالان مختصران لا نعدّهما تطبيقاً منهجياً ، بل هما مقدمات للفت ذهن القاري بالتدريج كي يتعرّف على طرق وأساليب هذا المنهج وقواعده العامة :
المثال الأول : قوله تعالى :
* ( وَنَضَعُ المَوَازين القِسطِ لِيَومِ القِيامَة ) * ( الأنبياء 47 ) قال المفسّرون في حرف اللام المرتبط بمفردة يوم أنها ( حرفُ زائدٌ ) . وقال آخرون بل هو بمعنى ( في ) .
ويردّ المنهج على ذلك بالقول :
إن كان هو بمعنى ( في ) فهو ظرفٌ ، والمعنى البديل هو ( في يوم ) . ويتساءل المنهج عندئذٍ عن أمرين :
الأول : لماذا لم يقلْ الله تعالى ( في يوم القيامة ) ، وهو قولٌ مقدورٌ له ولا يحدِث التباساً - على ما زعموا - ولا يخلّ بالسياق أو التناغم بين الألفاظ .
الثاني : إذا كان القصد هو ( في يوم القيامة ) فإن هذا الحرف ( اللام ) سيكون زائداً ولا شكّ في مخالفته للبلاغة ، لأنَّه يكفي نصب لفظ ( يوم ) على الظرفية كما هو معلوم ومطّرد في القرآن فيكون التركيب بهذه الصورة ( ونضع الموازين القسط يومَ القيامة ) وهي عبارة صحيحة ومتناسقة ولا خلل فيها .
ويخلص المنهج إلى القول : إنهم في الحقيقة لم يقولوا إلاَّ وجهاً واحداً وهو الزيادة . والمنهج يرفض تقدير حرفٍ بدلَ آخرٍ مثلما يرفض الزيادة .
إن هذه اللام لا يظهر معناها في المنهج اللفظي اعتباطاً وإنَّما يظهر وفق قانونٍ خلاصته أن تطبيق المنهج على الآية يستلزم إجراء البحث في ألفاظ الميزان والقسط والقيامة في كلّ القرآن وفقاً لقواعده . ويظهر خلال تلك الدراسة أن الموازين والقسط يوضعان بالفعل قبل القيامة بدهرٍ طويلٍ ، ويظهر معنى اللام تلقائياً حيث إنَّهُ يفيد الاستقبال والغاية لأنَّ الآية تتحدّث عن حوادث ذلك الدهر الطويل السابق للقيامة ، فلو أُزيلَ من السياق أو قُدِّرَ غيره فإنَّ الخلل لا يحدث في الآية وحدها ، بل في عشرات الآيات التي تضمّنت تلك الألفاظ .