ثم يعود التغيير في الألفاظ والترتيب مرَّة أخرى لتصوير وتحديد العذاب الذي طالهم ، وبالرغم من أنَّهُ هذه المرّة حدثٌ واحدٌ ولكن نزول العذاب وتحقيق صدور الأمر فيه تمَّ بمرحلتين تلائمان الحدثين ، وكل مرحلة منه توافق حدثاً ، ممّا يمكن من خلاله معرفة التسلسل الزمني للعصيان والتمرّد وعلاقته بمراحل صدور العذاب .
وإذا كانت جميع تلك الفوارق الجمة بين هاتين الآيتين لم تلق اهتماماً لدراسة العلاقات بينهما وعُدَّتا شيئاً واحداً مكرّراً لحدثٍ واحدٍ فما بالك بالآيات والتراكيب التي لم يتغيّر فيها سوى مجيء حرف واحد أو اختفاء حرف ؟ .
لاحظ كمثالٍ التركيبين :
* ( حتى إذا جاءوها وفُتِحتْ أبوابها وقال لهم خزنتها ) * ( الزمر 73 ) * ( حتى إذا جاءوها فُتحَتْ أبوابها وقال لهم خزنتها ) * ( الزمر 71 ) فإنَّ هذين التركيبين لا يختلفان في شيء لا في الألفاظ ولا في الترتيب إلاَّ بحرف الواو في المركّب ( وفتحت ) في التركيب الأول وغيابه في التركيب الثاني .
إن هذا التعاطف بين مجيئهم وفتح الأبواب بهذا الحرف يجعل من فتح الأبواب أمراً متصلاً بالمجيء ، وكأن مجيئهم كان مُنتظَراً في حين أدّى غياب حرف الواو في التركيب الثاني إلى انفصالٍ بين المجيء وفتح الأبواب كما لو كان يتوجّب عليهم ألاَّ يجيء أحدٌ منهم . وأصبح فتحُ الأبواب اضطرارياً حتّمهُ مجيئهم .
ومن غير الحاجة للرجوع لمواضع التركيبين تُمكِّنْ هذه الواو السامعَ من التيّقن أن التركيب الأول لا بدّ أن يكون لأهل الجنّة ، وأنّ التركيب الثاني لا بدّ أن يكون لأهل النار ، لأنَّ هذا الحرف ( الواو ) هو الفارق الوحيد بين ألفاظ وترتيب العبارتين ممّا يفهم منه محبّة مجيء المجموعة الأولى وكراهية مجيء المجموعة الثانية .
إذن . . نفهم من الأمثلة المارّة أن اللفظ قائمٌ بنفسه لا يتغيّر بالمعنى وإنّما يتغيّر المعنى التامّ للعبارة عند تغيّر مواقع الألفاظ مع بعضها وترتيبها ، وهذا من نصّ عليه الفرع الثاني من القاعدة .