يحتاج الآن إلى شرحٍ إضافيٍّ حيث سنختار جملةً معينةً . . ولكننا لا نغيّر هذه المرّة أي لفظٍ منها مع بقاء الترتيب نفسه كما مرّ سابقاً ، بل نغيّر منها الترتيب فقط مع الحفاظ على نفس الألفاظ لنتعرّف على تأثير الترتيب على المعنى العام .
ولنختر أي جملة مثل هذه الجملة الشائعة عند اللغويين :
( ضرَبَ زيدٌ عمراً ضرْباً مُبرحاً ) ولنغيّر الترتيب :
( زيدٌ ضربَ عمراً ضرباً مبرحاً ) ( ضرباً مبرحاً ضربَ زيدٌ عمراً ) ففي الجمل الثلاثة حدث نفس الفعل ووقع على نفس المفعول ووصف بنفس الوصف ، ومع ذلك فإن السامع لا يمكن أن يعتقد أن الجمل الثلاثة متطابقةً في المقصود . ولا حاجةَ للشرح المطوّل فهناك طريقةٌ نقدّمها لكم لتعلموا أن العبارات الثلاثة مختلفةٌ جداً في أداء المعنى الذي يرمي إليه القائل . وهذه الطريقة هي أن نضع لهذه العبارات الثلاثة الاستفهام الملائم ، حيث نجد أن الاستفهام وجوابه لا يكونان إلاَّ على النحو التالي :
ماذا حدث ؟ الجواب : ضرب زيدٌ عمراً ضرباً مبرحاً من ضرب عمراً ؟ الجواب : زيدٌ ضرب عمراً ضرباً مبرحاً أو من ضرب عمراً ضرباً مبرحاً ؟ الجواب : زيدٌ ضرب عمراً ضرباً مبرحاً كيف ضرب زيدُ عمراً ؟ الجواب : ضرباً مبرحاً ضربَ زيدٌ عمراً وحينما لا يكون هناك سائل ، فإنّ المتكلم يرتّب الكلام على نحوٍ يظهر منه قصده الحقيقي ، فإذا قدّم الفعل فإنَّهُ ينوّه عن الحدث وفاعله وصفته على الترتيب ، وإذا قدّم الفاعل فإنَّهُ يرمي إلى التأكيد عليه ، وإذا قدّم الوصف فإنَّهُ يرمي إلى وصف الحدث كما لو كان السائل يعلمه إجمالاً لكنه لا يعلم صفة الضرب . فالترتيب ينبئ عن قصد القائل وتغييره يغيّر هذا القصد ولو لم تتغير أية واحدة من الألفاظ .
إنّ تغيّر الترتيب في القرآن للحدث الواحد لم يلق أي اهتمامٍ من قبل اللغويين والمفسّرين وكان ولا زال يعدُّ عندهم تكراراً لنفس الحدث ، بل ذهبوا