السامع أن المتكلّم ينفي هنا أن تكون كلماته مشافهةً وحسب بل يسجّلها لغرض التوثيق وظرف هذا التوثيق هو الورق . فيكون ذيل الجملة بالغ الأهمية وجزءً من المقصود ، ولكن العجيب أن هذه المسألة لا تظهر مطلقاً في القرآن لأنَّ التركيب قد أحكِمَ من جميع الجهات في ترتيب الألفاظ ولأنَّ ما يمكن أن تراه ثانوياً في تركيبٍ معيّنٍ هو أساسيٌّ جداً لكشف قضيةٍ ما في تركيبٍ آخرٍ بعيد عنه في الموقع ، فتكون التراكيب قد أحكِمَت في نفسها وفيما بينها في كلّ النظام القرآني ، وتكون أهميتُها واحدةً في هذا النظام مثلها في ذلك مثل حلقات السلسلة إذ أن فقدان أي حلقة فيها يجزّأ السلسلة ويفقدها وحدتها ، وبذلك يكون كلّ لفظ في القرآن هو حلقة من سلسلة .
إذنْ فتغيير اللفظ بحجة تفسيره إلى لفظ آخر لا يؤثّر على التركيب وحده من حيث المقصود الأساسي فقط ، بل يؤثّر على جميع مفردات التركيب وبالتالي على جميع ما ارتبط به من ألفاظ في القرآن كله .
فانظر إذنْ ماذا يفعل المفسّرُ حينما يشرح جميع مفردات التركيب بمفردات غيرها بحجّة أنها مرادفات لتلك الألفاظ ؟ ! . . هو لا يشوّه المعنى التام وحده ، بل يتعدّاه إلى جميع المعاني والحقائق المرتبطة به علاوةً على تدميره اللغة عموماً .
ذلك هو معنى قولنا ( لا يجوز شرح مفردة بمفردةٍ أخرى بحجة التقارب في المعنى بين المفردتين ) ، وسيتّضح لك هذا الأمر غاية الوضوح عند التطبيقات المباشرة على كلام الله جلّ وعلا وبشكلٍ تدريجي .
لقد نصَّ الفرع الأول على أنَّهُ لا يمكن أن يؤدّي المعنى المحدد المقصود للقائل إلاَّ لفظٌ واحدٌ أو ترتيبٌ واحدٌ . فإذا كان المعنى هو من المعاني الأحادية فلا يؤدّيه سوى لفظ واحد ، وإذا كان هو معنىً تاماً مركباً فلا تؤدّيه إلاَّ ألفاظ معيّنةٌ بترتيبٍ معيّنٍ .
والأول واضحٌ من مثال الجمل الستة الماضية ، حيث رأيتَ أن لكلِّ لفظٍ معنىً محدداً وبالتالي فلا يؤدّي المعنى المحدّد سوى لفظ واحد وذلك للعلاقة الجوهرية بين اللفظ كدالٍّ والمعنى كمدلولٍ ، وأما المعنى المركب كالجملة التامة فهو الذي