إنَّ علم القرآن هو علمٌ حقيقيٌّ يختصر الأزمان والمسافات ، ويقع على الحقائق مباشرةً ، ويحقّق النتائج فوراً وبغير متاعب أو جهود . ولكنَّ هذا العلمَ مقفلٌ كما ذكرنا لك ومفتاحه الوحيد هو الخضوع المطلق للنظام القرآني .
النص الثاني عشر في كتاب البرهان ج 1 / الباب السادس / ح 15 و 18 عن جعفر بن محمّد ( ع ) قال : قال أبي :
( مَا مِن رَجُلٍ ضَرَبَ القرآن بعضَهُ ببعضٍ إلاَّ كفر ) ثمَّ قال ابن بابويه عن بعض الفقهاء في معنى الحديث : ( هو أن يفسّر آيةً بتفسير آيةً أخرى ) .
نقول : إنَّ شرح الحديث بهذه الصورة المقتضبة يحدث التباساً شديداً ، لأنَّه من المعلوم أنَّ القرآن يُفسِّرُ بعضُهُ بعضاً ، وأنَّ أعلى وأصحَّ مناهج التفسير هو تفسير القرآن بالقرآن . وربّما لم يقصد الفقيه المذكور هذا المعنى ، بل يقصد أنَّ معناه يفسِّر الآية برأيه ويعتمد في إثبات النتيجة الخاطئة على آيةٍ أخرى ، لأَنَّ هذا هو المعنى المقصود فعلاً من الضرب . ومن ضرب الشيء بعض ببعضٍ فقد عارض بين أجزائه . فالضرب هو التقاء الوجهين المتضاربين ممّا يُفهم منه التناقض التامّ بينهما . ومنه قولهم : تضاربت الأقوال في كذا وتضاربت الآراء في الأمر كذا . . يريدون أنَّها تناقضت .
إنَّ المنهج اللفظي يذهب إلى أبعد من ذلك ، فليس من الضروري أن يظهر الوجهان المتضاربان ليكون الفاعل كافراً ، بل يكفي أن يفسِّر آيةً واحدةً برأيه فيتناقض قوله تلقائياً مع آيةٍ أخرى ولو لم يشر إلى تلك الأخرى ، لأَنَّ النصّ الآخر للحديث هذا لفظه : ( ما ضربَ رجلٌ القرآن بعضه بعضاً إلاَّ كفر ) . فالنصُّ الأول يقول ( بعضه ببعض ) كما لو كان يعلم تلك الأبعاض ، والنصّ الثاني يكتفي بذكر النتيجة النهائية ( ما ضرب رجل القرآن بعضه بعضاً ) أي جعله متناقضاً بدون إشارةٍ إلى كونه يضرب الآيات بعضها ببعض . فانتبه لذلك .
إنَّ واجبَ المنهج اللفظي إيقاف تلك العملية بنوعيها وإنهائها من خلال البحث العام في جميع الألفاظ القرآنية ، للتوصّل إلى الخط الجامع بين الآيات من خلال