لأنَّه لا يتدبّر أصلاً ، بل لا يقرأ القرآن ، وإن قرأ فلا يفقه . قال تعالى :
* ( إنَّا جَعَلنَا على قُلُوبِهِم أكِنَّةً أن يَفقَهُوهُ وَفي آذَانِهِم وَقَراً ) * ( الكهف 57 ) ويمكن معرفة الإشارة إلى النظام المُحكم من خلال التدرّج في الصفات المذكورة ( ناصح ، هادي ، محدّث ) . فهو عند الإمام عليٍّ ( ع ) حيٌّ سامعٌ . إذا جاءه أحدٌ نَصَحهُ ، وإذا أراد المزيد هداه ، وإذا رافقه ليعلم منه الحقائقَ والأسرار حدّثه . فهذا التدرّج مقصودٌ لإظهار القدرات المتعدّدة للقرآن .
وإذن فهو لا يحتاج إلى غيره من العلوم والمعارف بما في ذلك علوم اللغة .
النص الثامن من كتاب إعجاز القرآن للكاتب مصطفى صادق الرافعي ج 1 / 210 :
( ومن أظهر الفروق بين أنواع البلاغة في القرآن ، وبين هذه الأنواع في كلام البلغاء ، أنَّ نُظمَ القرآن يقتضي كل ما فيه منها اقتضاءً طبيعياً بحيث يبني هو عليها لأنَّها في أصل تركيبه ، ولا تبنى عليه . فليس فيها استعارة ولا مجاز ولا كناية ولا شيء من مثل هذا يصحّ في الجواز أو فيما يسعه الإمكان أن يصلح غيره في موضعه إذا بدلته ، فضلاً عن أن يفي به ، وفضلاً عن أن يربى عليه ، ولو أدرت اللغة كلّها على هذا الموضع ) ويُظهِر هذا النصّ مع باقي نصوص الكتاب حقيقة رأي هذا الكاتب ببلاغة القرآن وإعجازه ، وفيه ثلاثةٌ من أصول المنهج اللفظي يؤّيدها النص :
إنَّ البلاغة فيها اقتضاء لأنَّها في أصل التركيب . وبهذه الصفة تختلف بلاغته عن أنواع البلاغة ، ومعنى ذلك أنَّ البلاغةَ فيه ليست ( هدفاً ) ، بل نتيجةً محتومةً لدقَّة النظام في المنهج ، أي إحكام النظام .
أعلن الكاتب في النص إنكاره تضمُّن القرآن أنواع الاستعارة والمجاز والكناية وسواها ، ممّا يؤيّد قواعد المنهج اللفظي .
أشعرَ الكاتب بوجود نظامٍ محكمٍ في القرآن بالعبارة الأخيرة ( فلو أدرت اللغة كلّها . . ) . . بمعنى لو أدرتها كلّها لتصنع منها مفردةً بديلةً للمفردة القرآنية في أي تركيبٍ ، فإنَّها لا تصلح فضلاً