لأَنَّ المخلوق لا يعلم حقيقة الله . فالكلام الوحيد الذي لا يختلف في الله هو كلام الله . وإذن فهو الكلام القادر على تعليم تلك الحقيقة التي أشار إليها الإمام ( ع ) وهي ( إنَّ الله أكبر من أن يُعرَف ) . فالأعرفُ من الناس هو الأعلمُ بهذه الحقيقة ، أي هو الأعرفُ بالإجابة على السؤال ( لماذا لا تُعرَفُ حقيقةُ الله ؟ ) .
ولا يمكن حصول هذه ( المعرفة ) إلاَّ بكلام الخالق نفسه ، لأَنَّ كلامه هو الكلام الوحيد الذي يُعرَفُ بهذه الحقيقة بغير اختلافٍ أو تناقضٍ .
ثمَّ تأتي العبارة الأخيرة لتكون أماناً من الاحتمال الأسوأ . فإذا كانت هذه المعرفة عسيرةً جداً على البعض ، فصاحب القرآن يظلُّ مع ذلك مهتدٍ سائرٌ في الطريق ، لأَنَّ ( القرآن لا يخالف بصاحبه عن الله ) .
وهذا يعني أنَّ النظام القرآني قادرٌ على أن يعصمَ أقلَّ الناسِ ذكاءً وأوطئهم عقلاً ، لأنَّه يستوعب الجميع ، ويهدي جميع المستويات ، ويمنعهم من أن يتراجعوا إلى الوراء ، أو يحيدوا عن الاتّجاه المرسوم . والشرط الوحيد الذي يحقّق ذلك هو ( الخضوع ) للنظام وعدم تجاوزه ، لأَنَّ هذا النظام ( مصمّمٌ ) على أن لا يسلِّمَ قياده لأحدٍ ، بل يقود الخاضعَ إلى الهدف .
النص السابع عن الإمام عليٍّ ( ع ) في الخطبة / 176 :
( وَاعلَموا أنَّ هَذا القُرآنِ هَو النَاصِحُ الَّذي لا يَغِشُّ ، والهَادي الَّذي لا يُضل المُحَدِّثُ الذي لا يكذِبُ . وَمَا جَالسَ هذا القُرآنَ أحدٌ إلاَّ قَامَ عَنهُ بِزيادَةٍ أو نِقصَانٍ ، زِيادَةٌ في هُدى أو نِقصَانٌ في عمى . . . ) إلى قوله ( ع ) : ( فاسألوا اللهَ بِهِ وَتوجَّهوا إليهِ بِحُبِّهِ ، وَلا تَسألوا بِهِ خَلقَه إنَّهُ ما توجّه العِبادُ إلى الله تعالى بِمثلِهِ واعلَموا أنَّه شافعٌ مُشفِعٌ وقائِلٌ مصدَّقٌ ) ويدلُّ النصّ على ما دلّت عليه النصوص السابقة أيضاً رغم الاختلاف بين هذا النصّ وغيره .
فقوله : ( زيادة في هدى أو نقصان في عمى ) ، يشمل من جالس القرآن محباً له . والكاذب وغير الخاضع للقرآن لا تحصل عنده الزيادة والنقصان المذكورين