إلغاء المنهج اللفظي لفكرة مخالفة القرآن لقواعد اللغة العربية هذه المسألة ذكرها المشكّكون أيضاً . فبعدما أكَّد علماء الدِّين واللغة خضوع القرآن لقواعد اللغة العربية وأساليبها وسلَّموا لهم بذلك ، أورد أهلُ الشكِّ قضيةً منطقيةً جداً كانت الإجابةُ عليها هي الأخرى لا منطقيةً جداً !
إذ لاحظَ أهلُ الشكِّ أنَّ القرآن لا يجري كلّه بالضرورة على تلك القواعد ، وأنَّه يخالف كلام العرب في أساليبهم ( وتلك مقدِّمةٌ صحيحةٌ أنكرها العلماء ) وبالتالي فهو ليس بمعجزٍ ، وهذه بدورها نتيجةٌ خاطئةٌ آمنَ بها المشكّكون .
وقد كان على الجميع أن يدركوا أنَّ عدم خضوعه للقواعد يدلُّ على انفراده بقواعده الخاصّة . وهذا هو جوهر تميّزه عن باقي الكلام ، وهو الذي يفتح بابَ معرفةِ الإعجاز .
فلا المشكّكون انتبهوا إلى النتيجة الخاطئة ، ولا العلماء تخلّوا عن المقدِّمة التي وضعوها وآمنوا بها مع أهل الشكّ . وفي هذا لطالما ذكر الراسخون في العلم عليهم السلام إشاراتٍ كقولهم : ( إنَّ لله خلقاً من أهل الريب وأهل الباطل يجري الله الحقَّ على ألسِنتهم ) .
لقد أجرى اللهُ الحقَّ على ألسنةِ أهل الشكِّ ، فقالوا أنَّ هناك آياتٍ وتراكيب كثيرةٍ لا تخضع للقواعد . وبدلاً من أن ينبّه ذلك علماءَ الدِّين إلى إعجاز القرآن وانفراده بقواعده ، كان الجوابُ أن لعنوهم وشتموهم وأصرّوا على أن القرآن كلّه يجري على قواعدهم !
يتلخّصُ جواب هؤلاء العلماء بالنصّ الآتي الذي يمثّل مجموع آرائهم والمكتوب من قبل حجّةٍ من حججهم وهو :
( لو كان في القرآن ما يخالف كلام العرب وبلاغتهم وأساليبهم لأخذوه حجّةً عليه واستراحوا به من معارضتهم وفيهم البلغاء العارفين بأساليب اللغة ثمَّ أنَّ القواعدَ وُضِعت بعد القرآن وهو أحد مصادرها فإذا خالف القواعد فالنقص على القواعد لا على القرآن وهو لا يتم إلاَّ فيما اتّفقت عليه القراءات ) .
وأضاف النصّ قائلاً : ( ولو كان قد وقع شيءٌ من نقد العرب عليه لاحتفظ به التاريخ ونقله أعداء الإسلام ) أ . ه .