إنَّ المقارنة البسيطة جداً والسريعة جداً لهذا الآية مع ما في سورة الانفطار :
* ( يا أيُّهَا الإنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَريمِ * الَّذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَك * في أيِّ صُورةٍ مَا شَاءَ ركَّبَك ) * ( الانفطار 6 - 8 ) تتمكّن من خلالها معرفة أنَّ ( التسويةَ ) بعد الخلق وبعد الأجنّة والسلالات تماماً كما في الآية السابقة ، والمخاطب قطعاً قد جاء من ( السلالة ) قبل أن تحدث ( تسوية ) الخلقة ! وهذا غير ما تعطيك المقارنة مع الآيات الأخرى من تفاصيل دقيقة جوبهت هي الأخرى محاولاتٍ عجيبةٍ لإخفائها قد تأتيك في موضعها الخاص .
آراء غريبة لابن هشام في معنى لفظ ( من ) لقد مرَّ عليك سابقاً زعمهم أنَّ لفظ ( من ) يأتي زائداً كما في قوله تعالى :
* ( يُحلَّونَ فيهَا مِنْ أسَاوِرَ مِنْ ذهب ) * حيث زعموا أنَّ ( من ) الأولى زائدة .
ولم يكتفوا بوضع خمسة عشر وجهاً مختلفاً لمعنى اللفظ ، رغم وجود تيّارٍ نحويٍّ يحاول إرجاع جميع المعاني المزعومة إلى أصلٍ واحدٍ هو ( ابتداء الغاية ) . ولكن لم يذكر ابن هشام أحداً منهم واكتفى بالقول أنَّهم ( جماعةٌ ) حيث قال : ( حتى ادّعى جماعةٌ أنَّ سائر معانيها راجعة إليه ) .
ولم يكتفوا بتلك الوجوه الكثيرة لمعنى هذا اللفظ حتى انفرد ابن هشام بتأويله آياتٍ قرآنيةٍ خلافاً لنفس تلك الوجوه والمعاني والتي هي أصلاً مخالفةٌ لمنهج القرآن . . ! فمن ذلك :
الآية الأولى : قوله تعالى :
* ( وَعَدَ اللهُ الّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصَالِحَاتِ مكِنْهُم مَغفِرَةً ) * ( الفتح 29 ) حيث زعم أنَّ ( منهم ) هنا ليست للتبعيض ، وهي بحسب القواعد للتبعيض . فإذا قال ( لبيان الجنس ) وهو المعنى الثالث لها والذي وضع هذه الآية فيه أشكل عليه : ما هو الجنس في هذا الموضع ؟ . . فلا يقدر على الإجابة .
انظر أخي القارئ فإنَّ الأمر أيسر من أن تشعر أنَّ فهمه فوق طاقتك ، فما هذا النحو إلاَّ لعبةً أتقنَ فنَّها البعضُ ليعزلوك عن كلام الله . ففي قوله تعالى :
* ( أسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ ) * هذا اللفظ ( من ) استُعمِلَ هنا لبيان جنس الأساور ممَّن هي ؟ ومن أيِّ معدنٍ ؟ .
فهل ترى الآن أنَّ ( من ) في الآية هي لبيان جنس الذين آمنوا وعملوا الصالحات ؟