مكاناً فإنَّه يستعمل اللفظ ( إلى ) ، وإذا اختلفتا فإنَّ هذا اللفظ لا يمكن أن يعمل ، إذ كيف يحدّد قطعةً ظرفيةً رأسها الأول زمانٌ ورأسها الثاني مكانٌ أو العكس ؟ أو أوّلها مكانٌ وآخرها شيءٌ آخرٌ ليس زماناً ولا مكاناً ؟
فالجريان مثلاً حركةٌ ذاتُ ظرفٍ مكانيٍّ ، والأجلُ زمانٌ ، فلا بدَّ من استعمال اللاّم . ولكن التأخير زمانٌ والأجلُ زمانٌ فيجبُ استعمال لفظ ( إلى ) .
وقوله تعالى ( اذهب إلى فرعون ) : الذهابُ حركةٌ مكانيةٌ وفرعون جسمٌ له مكانٌ .
إنَّ هذا الجزء من قاعدة ( إلى ) الخاصّة بهذا المنهج ، ولها فروعٌ لا تتعلّق باستعمال الظرف كالأمور النفسية والعقائدية ، ولا يمكن ذكرها جميعاً في هذه المقدِّمة . ولم يقتصر النحويون على هذا الشاهد فجاءوا بشاهدٍ آخرٍ هو قوله تعالى :
* ( وَلَو رُدُّوا لَعَادوا لِمَا نهوا عنه ) * ( الأنعام 28 ) والتقدير : ( لعادوا إلى ما نهوا عنه ) .
ولكنَّ هذه الآية تشملها أيضاً قاعدة التوافق أو التجانس بين نقطتي القطعة . فالقطعة هنا هي خليطٌ في حيزٍ من كلٍّ من الظرفين ، وهو حيزٌ ( مكاني ) لأنّهم لو رُدّوا يُردّون في الظرفين وإذا عادوا عادوا في الظرفين . . ولكن ما هي النقطة الأخرى أهي زمانٌ أم مكانٌ أم خليطٌ منهما ؟ . النقطةُ الأخرى هي ( ما نهوا عنه ) ، والبحث اللفظي يُثبتُ أنَّه ( الكفر ) من غير نذكر التفاصيل ، فاستعمل حرف اللاّم ولم يستعمل ( إلى ) . والفرقُ أنَّ اللاّم يجعل النقطة الهدف هدفاً من أول الحركة وهو غايتها وسببها ، بمعنى أنَّهم يكفرون بمجرّد العودة ، ولا يمرُّ زمانٌ ولا يُقطعُ مكانٌ ما ليصلوا إلى الكفر ، بل هم كفّارٌ خلال الطلب وعند الردّ وأوّل العَودة . !
وهذا ما لا يحصل مع لفظ ( إلى ) مطلقاً ، لأنَّه يفيد أنَّهم يعودون ( إلى ما نهوا عنه ) وكأنَّه نقطةٌ مكانيةٌ بعيدةٌ ، بينما هو مع اللاّم غايةٌ يحقّقونها من أول الحركة في العودة .
وأنت ترى الآن أنَّ هذا يوافق القاعدة ، لأنَّ النقطة الأولى ظرفُ مكانٍ وزمانٍ ، ولكن النقطة الثانية في هذا التركيب العجيب ليست منهما ، بل هي ( الكفر ) ، وهو اعتقادٌ ، فلا بدَّ من استعمال اللاّم .