لوكيله : ( أقِم مأدبةً لمجيء عمرُو ) .
أيَفهم الوكيل أنّ السيّد أمره بإقامة المأدبة ( بعد ) مجيئهِ ؟ إذن يتأخّر الوكيل في إحضار الطعام ، ويظلّ الضيف العزيز يتضوّر جوعاً ، ولن يُغنيه ( مغني اللبيب ) شيئاً ولا يسعفه صاحب ( الإنصاف ) بمأدبةٍ جاهزةٍ في الصحاف ! ! .
لقد حصر النحويون أنفسهم بهذا التقسيم للام المفردة ، وحينما وجدوا أنَّ لاماتٍ كثيرةً لا تدخل في أي نوعٍ من أنواعهم قالوا هذه بمعنى كذا والأخرى بمعنى كذا . . حتى صارت الشاذة أكثر من الداخلة في التقسيم ! ومع ذلك فما تراجعوا عن نحوهم هذا ولا فكّروا قط أنَّ ( قسمتهم ضيزى ) من الأصل .
إنَّ التصوّر الخاطئ للمعاني كما سبق وأشرنا هو الذي يحتّم إعراباً معيّناً ، وهو الأساس في وضع قواعدَ خاطئةٍ . ففي هذا المثال لو سألت النحوي : ما نوع اللام في قول زيدٍ لقال هي لام التعليل أي ( أقم مأدبةً لأجلِ مجيء عَمْرٍ ) .
وهنا يكمن الخطأ الأصلي . . فإنّ العبارة لا تتضمّن أيَّةَ إشارةٍ واضحةٍ من السيّد إلى وكيله بضرورة عمل المأدبة لأجل عمرٍ ، فلعلّ الضيف الحقيقي هو غير عمر ، ولعلّ المأدبة لسواه . إنَّما ( مجيء ) عمرٍ هو علامةٌ زمنيةٌ لا غير ، وربّما هو رسول زيدٍ إلى ضيفه الحقيقي ومجئ الضيف معه أو بعده بقليلٍ . فهذه القول ( تعليل اللام بمعنى " لأجل " ) هو الآخر شيءٌ لم ينزل به سلطانٌ . وهي أخطاءٌ كما ترى بعضها من بعضٍ .
لقد ظنَّ النحويُّ أنَّه لو قال أنَّ اللام في قوله تعالى ( لدلوك الشمس ) للتعليل لكانت الصلاة لتصبح ( لأجل دلوك الشمس ) . . فلا يقدر أن يضعها في باب التعليل مع أنَّها في هذا القسم لو لم يقلْ الله أنَّها صلاة ! .
ولو قال تعالى : * ( سافروا أو أفطروا ) * لدخلت هذا القسم ! وذلك لأنَّ النحوي ظنَّ أنَّ الصلاة بالذات توجب إشكالاً عقائدياً كمن يقول ( صلّوا لأجلِ الشمس ) !
فتأمّل أخي القارئ كيف توضّحَ لك الأمر بطريقةٍ تجعلك تعلم يقيناً أنَّ هذه ما هي بقواعدٍ وإنَّما هي أوهامٌ فقط . وتأمّل أيضاً كيف تبيّنَ لك من هذا المثال الذي أطلنا فيه علاقة المعنى بوضع القاعدة . . فمن هو الذي أدرك معاني الشعر الذي اختلفوا