ويبقى السؤال عن المجموعة الثالثة قائماً رغم ذلك : مَنْ عنى الذين كفروا بهذا القول وخاطبوا به مَنْ مِنَ الناس ؟ .
انظر هذا المثال : ( وقال زيدٌ لعمرو " لو كان صديقي لعاتبته " ) .
ماذا يفهم السامع منه ؟ . . يفهم أنَّ زيداً كان يتكلّم مع عمرو ، وهذه آخر جملةٍ قالها المُخبر عن حوارهما . .
ولكن من هو الذي يتحدّث عنه زيدٌ وينفي عنه الصداقة ؟ أَهو نفس عمرو ؟ وكيف يكون ذلك والواجب أن يقول : ( وقال زيدٌ لعمرو " لو كنتَ صديقي لعاتبتك " ) ؟ .
كلاّ . . إنَّ زيداً يُخبرُ عمراً عن شخصٍ ثالثٍ كما هو واضحٌ لمن يؤمن بصدق المخبر وأمانته .
فلماذا اعتقد النحويون أنَّ المحاورةَ بين مجموعتين فقط ؟ ولماذا لم ينتبهوا إلى أنَّ الذين ( سبقونا إليه ) هم مجموعةٌ ثالثةٌ ؟
فهل يعتقد النحويون أو غيرهم إنَّ الذين آمنوا جميعاً سابقون ؟ إلاَّ ترى الذين كفروا يجمعون أنفسهم مع الذين آمنوا في ضميرٍ واحدٍ لجماعة المتكلّمين ( ما سبقونا ) ؟ ! .
أنت لا تدري أنَّ بعض الذين آمنوا كمجموعةٍ قرآنيةٍ يُحتَملُ منهم الارتداد ، وبعضهم ( ضعيف ) الإيمان ، وبعضهم ( يتناجون بالإثم والعدوان ) . . . الخ .
وكان تأخّر بعضهم عن ركب السابقين يزعجهم أكثر ، ويجد الذين كفروا في هذا ( وتراً ) يحسن الضربُ عليه . . فقال هؤلاء الكفّار لهؤلاء الضعيفي الإيمان : ( لو كان خيراً ما سبقونا جميعاً نحن وأنتم إليه ) . وهي محاولةٌ لإرجاعهم إلى الوراء باستعمال أساليب نفسية مناوئة لمجموعة ( السابقين ) .
إنَّ النظام القرآني يحتّم أن يكون ( السابقون ) مجموعةً متميزةً عن مجموعة ( الذين آمنوا ) ، ويظهر ذلك جلياً في كلّ القرآن . ولكن المنهج اللفظي يشير الآن ومن غير ما حاجةٍ إلى استعراضٍ مطوّلٍ للآياتِ إلى موضعٍ واحدٍ تظهر فيه المجموعات الثلاثة سويةً ، وهو موضع سورة الواقعة حيث أصحاب اليمين : وهم المؤمنون الذين غفر الله لهم ، وأصحاب الشمال : وهم الذين كفروا ، والسابقون السابقون .
وهكذا تبقى الحروف القرآنية نفسها من غير تقديرٍ ، وتصبح القاعدة هباءً لأنَّها لا تملك شاهداً قرآنياً على مجيء اللام بمعنى ( عن ) إلاَّ هذا الشاهد . ومع ذلك فهنالك ملاحظاتٌ أخرى نقدّمها للقارئ الكريم :