ولو قال : ( مائة ألف أو أكثر من ذلك ) لكان معناه أنَّه يجهل العدد الحقيقي ويقدّره تقديراً . . تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا .
ونحن نعجبُ من تقديرهم ب ( الواو ) و ( بل ) ولم يقدّروا بالمفردتين ( قد ) و ( ربّما ) وهما أقرب . كما نعجب من قولهم : ( إذا رآهم الرائي ظنَّ أنَّهم مائة ألف أو يزيدون على ذلك ! ) فاسألهم أين هو الرائي في الآية ؟ وأين ظَنّهُ ؟ وكيف يراهم جميعاً وهم في مساكنهم ؟ وكيف يضبطُ عددهم أنَّهم مائة ألف أو يزيدون وليس مائة ألفٍ أو ينقصون ولو عشرة ؟ سبحان ربِّك ربِّ العزّة عمّا يصفون . وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين .
القاعدة العاشرة قاعدة مجيء اللام المفردة بمعنى ( عن ) وَضَعَها النحاة ولم ينقضها أحدٌ منهم ، وعدَّها ابن هشام من قواعد اللام المفردة . ( مغني اللبيب / 1 / 213 ) .
الشاهد القرآني : قوله تعالى :
* ( وَقَالَ الَّذين كَفَروا لِلَّذينَ آمَنوا لَو كَان خَيراً مَا سَبَقونا إليه ) * ( الأحقاف 11 ) والتقدير : ( وقال الذين كفروا عن الذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه ) .
لقد ذكرنا لك أخي القارئ خطورة انعكاس المعنى الذهني على القواعد . فالنحوي يتصوّر معنىً معيّناً فيضع على ضوء هذا المعنى قاعدته . وإذا كانت جميع تصوّراتهم عن معاني القرآن خاطئةً لأنّهم لم يكتشفوا نظامه الصارم ، فمن اليسير الحكم مسبقاً على خطأ أكثر القواعد أو حتى كلّها .
وها هم يتصوّرون شيئاً آخرَ لا وجود له في الآية ، إذ تصوّروا إنَّ الذين كفروا قالوا هذا الكلام عن الذين آمنوا ، وقالوه لهم أيضاً في وقتٍ واحدٍ . والذي أوقعهم هنا هو هذا الالتفات السريع في الآية وهي تنتقل بين ثلاث مجموعاتٍ ، بينما التصوّر الذهني لهم يقرّر أنَّ في الآية مجموعتان فقط . على أنَّه لو كان الأمر كذلك لقال ( ما سبقتمونا ) أو لقال ( عن الذين آمنوا ) بدل ( للذين ) كما اقترحوا ! .