والعدد الكلّي يُحتَملُ أنْ يزيدَ أو ينقصَ ، ولكن هناك قاعدةٌ يأتيك بيانها في موضعه من ( الاستخلاف ) تربط بين تزايد العدد كقانونٍ اجتماعيٍّ عند بعث الرسل ( ع ) وبين فترة الإرسال . إذ وجدنا أنَّ إرسالهم ( ع ) مُطَّرِدٌ مع حالة الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي عموماً . فقوله تعالى ( مائة ألف ) هو العدد الحقيقي عند إرساله . وأمَّا قوله ( أو يزيدون ) فلا يمكن أن يكون للتخيير لأنَّه تعالى يعلم العدد الحقيقي .
ولا هي للإبهام ، إذ كيف يبهم الأمر بعدما حدّد العدد وهو كتاب تعليم وهداية ؟ فلا إبهامٌ ولا تعميةٌ .
ولا هي بمعنى ( الواو ) . . إذن لكان تزايدهم محتوماً فيذهب التهديد والوعيد هباءً . فالزيادة في العدد منوطةٌ بالإمهال والتمتّع إلى حين والإمهال شأنٌ إلهيٌّ .
ولا هي بمعنى ( بل ) . . إذن لكان المعنى ( بل يزيدون ) فتصبح الزيادة محتومة أيضاً ، لأنَّ العذاب قد يأتي في أيِّ وقتٍ فلا يعلمه أحدٌ ، ونقص الذراري منه . ولو قال ( أو ينقصون ) لكان المعنى أنَّه أخذهم بنقص الذريّة قبل إتمام الحُجّة عليهم ، وهو محال . ( قال أحد الأساتذة : " إنَّ هذا التحليل صحيحٌ لأنَّ ( أو ) هنا يعمل كدالّةٍ واضحةٍ على بقاء حريّة الاختيار للجماعة المُرسل إليها ، وأي احتمال آخر لتركيب النصّ يخلُّ بمعناه من جهاتٍ شتّى ) .
لقد وقع المفسِّرون مرّة أخرى في دائرة الوهم الاصطلاحي إذ تخيّلوا أنَّ قوله تعالى ( مائة ألف أو يزيدون ) مائة ألف أو أكثر . بينما ( يزيدون ) هو فعل مضارع ( مستمر ) يبدأ عمله من لحظة الإرسال ، وليس تعبيراً عن زيادةٍ تُرِكَت مُبهَمةً .
فإنْ قلتَ : إنَّ الكلام متوجّهٌ للحديث عن واقعةٍ مضَت . قلنا : هذا هو حال كلام الله ، فالآيات تنقلك إلى حدثٍ وقع في الماضي ، لكنّها تصوّره لك تصويراً يتّسمُ بالحركة في الزمن الحاضر . وهذا هو سرُّ الانتقال السريع في الأفعال من الماضي إلى المضارع أو العكس . وكذلك هو السبب في التغيير السريع للضمائر والمخاطبين . فقد حدثَ الالتفات في الزمن وفي المخاطبين أكثر من مرّةٍ في نفس الآية .