كانت خواطرهم مستعدّة تماماً لسماع مُعجزة . فأبوها لم يكن امرئ سوءٍ ولا أمُّها كانت بغيّاً وهي من العابدين في الهيكل . فقولهم ( كان في المهد ) إنَّما هو لإثارة التصريح بالمعجزة وللتحريض على الإعلان عنها . فالفعل ( كان ) أخذ موقعه الصحيح الذي يفيد الماضي ، وليس معناه هو كائن الآن في المهد أو ( وجدناه ) على حدّ تعبير الأنباري ، لأنَّه لا كان في المهد ولا وجوده في المهد . أمَّا ما ذكره ( ماضياً على رأيه ) من أنَّه سيكون غير مختصٍّ بالمسيح ( ع ) لو كان ناقصاً . . فانظر بنفسك إلى قيمة هذا الرأي ، إذ خلط بين كون الكلام من مقولهم وبين كونه من مقول الله تعالى ! . أَوَ لَمْ ينتبه إلى أنَّ ( كان ) تفيد الماضي بكلِّ أبعاده فيبقى العجب كما هو المفروض في رأيه ، لأنَّ ( كان ) تفيد الماضي ولو مرَّ عليه دقائق معدودة ، فمن أين جاء بالتخصيص وعدمه ؟ أَمْ يرى أنَّ ( كان ) تفيد ماضياً معلوماً مقداره أن ينطق المولود ؟ ! إنَّها تأويلاتٌ عجيبةٌ من قومٍ يتعاملون مع لغة القرآن .
الآية الرابعة : قوله تعالى :
* ( وأمَّا الَّذين سُعِدوا فَفي الجَنَّةِ خَالِدينَ فِيها مَا دَامتْ السَّمواتُ والأرضُ ) * ( هود 108 ) والوجهُ عندهم على تمام عمل ( ما دام ) التي هي عندهم من أخوات ( كان ) هو في عدم وجود خبرٍ لها .
إذن . . فما هو محلّ ( خالدين فيها ) من الإعراب ؟
لقد بُنيَ على الحال تبعاً للجملة السابقة ( وأمَّا الذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ) . والآن اسألهم : ( لمَّا كانت " ما دام " تامّة العمل هنا فما الذي دعاهم لوضع خالدين فيها مع جملة " ما دامت " ؟ ) ، إذ المفروض أن تكون جملة ( ما دامت السماوات والأرض ) تامة وليس بحاجةٍ إلى ( خالدين فيها ) لتحقيق تمامية المعنى والتي بدونها يصبح كلاماً لا معنى له ، فما هو معنى العبارة ( ما دامت السماوات والأرض ) وحدها ؟
إذن جملة ( خالدين فيها ) تتبع جملة ( ما دامت . . ) ولا تتبع ما سبقها ، فما سبقها تامُّ المعنى .
( وأمّا الذين سعدوا ففي الجنّة ) - جملة تامّة المعنى .
وعليه فإنَّ جملة ( خالدين فيها ) هي الخبر .
ثمَّ اسألهم أين هي تمامية ( ما دام ) في هذه الجملة ؟
ما أجابوك ولن يجيبوك ! !