ولذلك خرّج آخرون الأمر بطريقةٍ مغايرةٍ فقالوا : ( إنَّ " كان " تأتي بمعنى " استمرار الزمان واتّصاله بلا انقطاع " ) - المعجم الوسيط / 812 .
وضربوا لذلك مثلاً هو قوله تعالى * ( وكان الله غفوراً رحيما ) * أي لم يزل على ذلك . ( نفس المصدر أعلاه ) .
ولكنَّ استمرار كونه تعالى ( غفورٌ رحيمٌ ) معلومٌ من آياتٍ أُخر ، مثل قوله تعالى : * ( إنَّي أنَا الغَفور الرَحيم ) * ( الحجر 49 ) حيث يفيد التأبيد ومن الأزل .
نعم . لم ينتبهوا إلى الموضع الذي فيه الآيات - فإنَّ ( كان ) هنا وفي كلِّ مكانٍ تأخذ معناها الماضوي كفعلٍ ناقصٍ له اسمٌ وخبرٌ .
ففي تلك القضية لم يكن الله تعالى بصفة المعاقب أو المنتقم ، بل كان في خصوص تلك المسألة المبيّنة ( غفورٌ رحيمٌ ) . وهكذا يعطي للملّة قوانين وقواعد عن صفاته تعالى التي ترتبط بالفعل الإنساني . . ولكن ما أبعدهم عن هذا الفهم والبحث فيه . وكذلك الأمر في آية المسيح ( ع ) ، إذ لم ينتبه ابن الأنباري ولا غيره إلى جميع ملابسات الحدث ، بل أخذ الآية مجرّدةً تماماً عمَّا يحيط بها من صورٍ واضحةٍ لإظهار الحدث . إذ . . مَنْ همْ الذين قالوا كيف نكلّم ؟ وكيف كان وضع المسيح ( ع ) ؟ هل كان في المهد فعلاً حين حصول المحاورة ؟
إنّه بعيدٌ كلّ البعد عن التفكير في كلّ ذلك !
نقول : إنَّ الذين عجبوا لم يكونوا كفّاراً أو مشركين أو من ملّةٍ أخرى ، فإنَّ قسماً منهم من علماء الهيكل حيث كانت تتعبّد مريم ( ع ) . أمَّا الوضع فالقرآن يحدّده بقوله :
* ( وَأَتَتْ بِهِ قَومَهَا تَحْمِلُه ) * ( مريم 27 ) فهو إذن لم يكن في المهد حال الحوار .
وهؤلاء لم يكونوا مندهشين من حدوث معجزاتٍ وما أكثرها في بني إسرائيل ، لكن الذي يرونه الآن هو طفلٌ ، ولا يمكنهم أن يكذبوا فيقولوا هو في المهد ، لأنّهم لم يروا مهداً . لكنَّهم من تقدير عُمره وكونه لا بدَّ أن يكون في المهد قبل قليلٍ ، قالوا كيف نكلّم من كان في المهد صبيا ، فليس الغريب أن يكلّموا صبياً ، بل الغريب أن يكلّموا صبياً هو في عمر من يكون في المهد عادةً . وهذا القول منهم في غاية الأدب والاحترام ، يؤيّده ما قالوه قبل ذلك ، إذ نفوا عنها الفاحشة وطلبوا منها الدليل في تلك اللحظة التي