الآية الثانية : قوله تعالى : * ( إلاَّ أن تَكونَ تجارَةً حَاضِرةً تُديرونَها ) * ( البقرة 282 ) . واسم كان وخبرها ظاهرٌ . ولكنَّهم خرّجوه على من قرأ بالرفع ، وهذا غريبٌ . إذ من واجب القواعد تصحيح القراءة الخاطئة لا تبريرها باستثناءٍ من القاعدة ووضع قاعدة جديدة ! ! .
الآية الثالثة : قوله تعالى : * ( كَيفَ نُكلِّمُ مَنْ كَانَ في المَهْدِ صَبيّا ) * ( مريم 29 ) وهي عندهم أوضح الشواهد على تمامية ( كان ) .
ومن الواضح أنَّ اسمَ كان هو الضمير العائد على المسيح ( ع ) والذي يقدّر ب ( هو ) ، و ( صبياً ) هو الخبر ، والباقي توضيحٌ للخبر .
ويحاول ابن الأنباري تخريج المسألة عن طريق ( معنى الآية ) وهو الأمر الذي أشكلنا عليه سابقاً ، لأنَّه إذا وُضعَت القواعد بناءً على المعاني فيجب أن يضعَ القواعدَ مَنْ أُوتيَّ علمُ الكتاب ، لأنّهم قالوا : نعترفُ أنَّنا لا نقدرُ على تأويلهِ . أمّا إذا كانت القواعدُ أسبقَ فيجب أن تُعينَ في فهم المعاني لا العكس .
وتخريج ابن الأنباري على هذا النحو حيث قال : ( لا يجوز أن تكون الناقصة لأنَّه لا اختصاص لعيسى في ذلك لأنَّه لا كان في المهد صبياً . ولا عجب في تكليم من كان في ما مضى في حال الصبا إنَّما العجبَ في تكليم من هو في المهد في حال الصبا فدلّ على أنَّها ها هنا بمعنى وُجِدَ ) انتهى . ( أثر القرآن / 215 - أسرار العربية / 134 ) .
لقد ظنَّ ابن الأنباري أنَّ ( كان ) لا تفيد الماضي إلاَّ حينما تكون ناقصةً . وهذا هو معنى قولهم أنَّها تامةٌ . فتمامُها معناه استمرارُ الفعل عندهم .
وهذا الأمر يعتبر شاذاً للغاية وغريباً غاية الغرابة ولو كان الإجماع عليه ، لأنَّ ل ( كان ) فعلٌ مستمرٌّ مضارعٌ هو ( يكون ) ، وفعل أمرٍ هو ( كُن ) ، فكيف تكون صيغة الماضي تفيد الحاضر ؟ ! .
ومن الواضح أنَّهم أرادوا حلَّ معضلاتٍ قرآنيةٍ وردت مع ( كان ) مثل ( وكان الله غفوراً رحيما ) ، حيث ورد إشكالٌ حول ماضوية الصفة مع أنَّه تعالى غفورٌ رحيمٌ دوماً .