وليتهم إذ قالوا ذلك فَعَلَوه في جميع مسائل النحو . . إنَّما أجبرهم على هذا القول في هذا الموضع ضعفَ حجَّتهم أمام الكوفيين . وترى هذا الضعف في إجابتهم رغم وهن أدلَّة الكوفيين إذ قالوا : ( وأمَّا في قوله تعالى " وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون " فلا حجّة لهم فيه وذلك من وجهين : أحدهما أن ( أو ) للتخيير بمعنى أنَّ الرائي يقدَّرهم مائة ألف أو أكثر ، والثاني بمعنى الشكّ أي أنَّ الرائي يشكُّ في العدد لكثرتهم فيقدّرهم مائة ألف أو أكثر فالشكُّ يرجع للرائي ) .
لكن . .
أين هو الرائي في الآية ؟ . . لا وجود في الآية إلاَّ للمتكلّم وحدَهُ وهو اللهُ سبحانه وتعالى إذ يقول :
* ( وأرسلنَاهُ إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدون ) * ( الصافات 147 ) نعم . . سيأتيك الردُّ على الكوفيين والبصريين في موضعه من القاعدة التاسعة من قواعد النحاة هذه .
القاعدة السادسة قاعدة جواز حذف الواو والفاء مع معطوفيهما وهو أمرٌ أجمع عليه النحاة ولم يُنقضْ حسبما ذُكرَ في كتاب ( أثرُ القراءات في النحو / 216 ) . وشاهده من القرآن :
* ( فمَن كَانَ مَريضَاً أو على سَفَرٍ فعدَّةٌ مِنْ أيّامٍ أخُر ) * ( البقرة 184 ) والتقدير : ( فأفطر فعدّة من أيامٍ أخر ) .
ويرى المنهج اللفظي أنَّ ذلك إنْ كان يحملُ خطورةً في فهم اللغة والأدب عموماً ، فإنَّ خطرَه على القرآن أعظمُ .
فلو حدثَ أنّك قلتَ لابنكَ : ( إذا كنتَ مريضاً فسافر في يومٍ آخرٍ ) ، وقد كان هو مريضاً ، فسافر في نفس اليوم ، وسقط مغشياً عليه ونقلوه إلى مستشفى ، ثمَّ بحثتَ عنه حتى مللتَ فلمّا وجدته قلت له غاضباً : ( ألمْ أنهِكَ عن السفر إذا كنت مريضاً ؟ ) ، لكنّه ابتسم لك وأجابكَ بسرورٍ : ( كلاّ يا أبتِ لمْ تنهني عن السفر لأنَّ النحويين قد أجمعوا في مثل هذه العبارة على جواز حذف الواو أو الفاء وما تبعهما ، وأنت يا أبتِ قد حذفتَ من عبارتك تقديراً ! ) فتقول له : ( وما هو التقدير الذي حذفتُهُ يا شقي ؟ ! ) ، فيقول : ( التقدير هو أنَّك قلتَ لي : " إذا كنتَ مريضاً فلم تسافر فسافر في يومٍ آخر . وهذا معناه أنَّك خيّرتني وما أمرتني ! ) . .
نسألك بالله ألا يغضبكَ هذا الجواب . ولكنك تفهم المجادلات النحوية فقلت له :
( إذا كنتَ مريضاً ولم تسافر فإنَّكَ ستسافرُ في يومٍ آخرٍ بلا نصيحةٍ منّي ولا أمرٍ ،