* ( ذَلِكَ أنْ لَم يَكُن رَبُّكَ مُهلِكَ القُرى بِظُلمٍ وَأهلُهَا غَافِلون ) * ( الأنعام 131 ) * ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرى بِظلمٍ وأهلُها مُصلحون ) * ( هود 17 ) سؤالٌ بلاغيٌّ :
في مورد العنكبوت السابق لماذا قال ( إنَّ أهلها ) فأعاد ذكر ( أهلها ) ، إذ يكفي أنَّ يقول ( إنّهم ظالمون ) والضمير يعود إلى ( أهل هذه القرية ) كما هو واضح ؟
الجواب :
إنَّ الحالات المتصورة والمحتملة لهذا التركيب هي :
أولاً : ( إنَّهم ظالمون ) كما ورد في السؤال . والمعنى أنَّهم ظالمون الآن ( حال حدوث المحاورة ) وهذا غير ممكن لأَنَّه لا يشير إلى المهلة فكأنَّه أخذهم بالعذاب فوراً . ومن أجل ذلك كرّر المنهج القول : إنَّ اللفظ ( كان ) كفعلٍ يفيد الماضي يأخذ موقعه أينما ورد في القرآن .
ثانياً : ( إنّهم كانوا ظالمين ) - من غير ذكر ( أهلها ) : ولكن يبرز مع هذا الاحتمال سؤال جديد ، إذ من هم الذين كانوا ظالمين ؟ . فإنَّ السائل يقول ( الضمير يعود إليهم ) وهذا هو المتبادر الذي جرى عليه تفسير الناس إلى اليوم . ولكن المنهج اللفظي قد ذكر أنَّ الضمائر في القرآن لا ترجع إلى ما ترجع إليه بقاعدة ( التبادر ) ، بل لها قانونها الخاص . فالالتفات في الضمائر يحدث أكثر من مرّة وعائدتيها محكومة بقواعد بالغة التعقيد حيث تشترك آياتٌ كثيرةٌ جداً لفهم عائدية الضمير في الآية الواحدة .
وعلى مصطلحات المنهج فالأمر كالآتي :
تدخل الضمائر في المركبات فلا يحصل التباس مطلقاً . ولكن في التراكيب المستقلّة المعنى يعاد الاسم نفسه ، ولا يستبدل بالضمير لنفس السبب أي لرفع الالتباس والدقّة في أداء المعنى إلاَّ إذا كان احتمال عائديته إلى غير المسمى المقصود يساوي صفراً .
وهذه الطريقة لا يستعملها ، بل لا يقدر على استعمالها أي مخلوق ويمكنه في عين الوقت المحافظة على النظام الكلي للكلام ومحاسنه الأخرى .
فقوله تعالى : * ( إنَّا مُهلِكوا أهلَ هَذِهِ القَريةِ ) * هو جملةٌ تامة المعنى ، وإذا تمَّ المعنى فلا