حصيدٍ كان زرعاً وليس كلُّ زرعٍ حصيد .
لقد اختلفوا فيما يجب أنَّ يتفقوا عليه ، واتّفقوا على ما لا أصل له ، وهو إضافة الشيء إلى نفسه ، فقال الكوفيون بجواز الإضافة ومنعها البصريون الذين لمَّا أسقط في أيديهم قدّروا محذوفاً ، لأنَّهم اتّفقوا على وجود ما يسمى ب ( الشيء ونفسه ) .
فاتّفاقهم على ( أنَّ الحصيد هو الحَبُّ في المعنى وإن اختلفا في اللفظ ) هو أساس المشكلة ، وهو سبب ظهور المسألة التي لا وجود لها في لغات العالمين إلاَّ في أذهان النحويين .
فانظر أخي القارئ إلى الحصيد في القرآن لتعلم ما هو :
* ( ذَلِكَ من أنبَاءِ الَغيبِ نَقُصُّهُ عَلَيكَ مِنهَا قَائِمٌ وَحَصِيد ) * ( هود 100 ) فعلى جميع الاحتمالات الممكنة لهذه الآية فالمؤكّد أنَّ الحصيد فيها لا علاقة له بالزرع والحبّ المذكورين عندهم .
وقولهم أنَّ الحصد للزرع لا للحبّ أشنع ، لأنَّهم ظنّوا أنَّ ( الحصدَ ) هو تلك العملية الميكانيكية لقطع أصول الزروع بالآلة ، فحصروا أنفسهم في دائرة الاصطلاح الضيّق الذي لا أضيق منه إلاَّ تلك العقول في وقتٍ زعموا فيها أنَّ للمعنى سبعون مفردةٍ وللمفردة سبعين معنى . فانظر بعين النباهة إلى هذا التناقض الشنيع .
لو كان الحَصْدُ للزرع كما زعموا لَما قال يوسف ( ع ) :
* ( فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ ) * ( يوسف 47 ) فالحصْدُ في هذه الآية قد أصبح للحَبِّ الذي يتوجَّب أنْ يُترَكَ في سنبله ، إذ لا يمكن ترْكُ الزرع في السنبل حين الحصاد والسنبل جزءٌ من الزرع ! !
ألا ترى معنا أنَّ تلك القواعد تحجِّم المفردة وتقتل اللغة وتؤدّي إلى الالتباس ؟
فإن جادلوك فسألهم لِمن يعود الضمير في ( فذروه ) الوارد في الآية هذه ؟ هل هو للحَبّ أم للزرع الذي لم تذكره الآية كمفعولٍ ل ( حصدتم ) فإن قالوا : ( يعود للزرع ) ، فإن الزرعَ لا يحفظ في السنبل حيث أن السنبلَ جزءٌ منه ، وإن قالوا : ( يعود للحَبّ ) ، فهو المطلوب .
إنَّ القرآن بعيدٌ عن مصطلحاتهم وبعيدٌ عن المعاني التي في أذهانهم ، لأَنَّه يستعمل