المعنى ( الجذري ) للمفردة . فالحصْدُ في القرآن هو ( أخذ الثمرة النهائية للاحتفاظ بها إلى حين ) وهو معنى له مصاديقٌ سواء كانت زرعاً أم أمماً أم غيرهما . فإذا أهلك الله تعالى أمَّةً أخذ نفوسهم وترك آثارهم وبهذا يصبحون حصيداً ، مثلما يجني الزُرّاعُ الثمار ويتركون آثار الزرع مهما كانت الوسيلة المتخذة لهذا الجني والجمع ، وهذا ما في قوله تعالى بشأن الأمم الهالكة :
* ( فَمَا زَالَت تِلكَ دَعوَاهم حَتّى جَعَلْنَاهُم حَصيداً خَامِدين ) * ( الأنبياء 15 ) ومن هذا كلّه نفهم أنَّ قول يوسف ( ع ) في الشاهد الذي جاء به البصريون يبقى هو الآخر عينه بلا تقدير ، وشرحه هو : ( ما حصدتم ( من الحَبّ ) فذروه في سنبله لأَنَّه أحفظ له ) .
أما قوله تعالى : * ( وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي ) * ( القصص 100 ) فإنَّ كلّ مفردةٍ منسوبةٍ للجهات هي مكانٌ قطعاً ، ولا يمكن أنَّ تكون شيئاً آخر مثل شرقي أو جنوبي أو غربي ولو مع التسليم بالمعنى الاصطلاحي . فلو قال القائل : ( ارحلوا إلى المسكن الشرقي ) فلا أحد يسعه أنَّ يزعم أنَّ التقدير هو ( ارحلوا إلى " مكان " المسكن الشرقي ) ، لأنَّ المكانية لازمت العبارة من أولها إلى آخرها . فقوله تعالى ( وما كنت ) يفهم منه الظرف المكاني والزماني سويةً ، وقوله ( بجانب ) فإنَّه مكان . وقوله ( الغربي ) هو تحديد لجهة المكان وموقعه . فكيف إذن قدّروا الآية على أنّها ( وما كنت بجانب المكان الغربيِّ ) وأنَّ لفظ ( المكان ) حُذِفَ لدلالة ما في الجملة عليه ؟ فمن هو الذي رآه مرّةً موجوداً حتى يراه الآن موجوداً ؟ وما هو معنى التقدير والحذف إذا كان هناك ما يدلّ أصلاً على المحذوف ؟ ! ! .
على هذا المنطق يصحّ بل ويحسن أنَّ يدخلَ النحوي على موظفٍ حكومي فيقول له : ( من أنت ؟ ) فيقول له : ( أحمد ) ، فيقول النحويّ : ( فأين زيدٌ ؟ ) فيجيبه : ( لا أعرف أحداً بهذا لاسم هنا ) فيردّ النحوي عليه قائلاً : ( بلى . . أنت رجلٌ جاهلٌ بالنحو ، وزيدٌ أي شخصٍ آخرٍ غيرك كان يمكن أنَّ يكون بديلاً عنك أو معك ، ولكن بما أنَّ " الدائرة " لم تستغنِ عنك بعد ولم تحتج إلى رجلٍ اسمُهُ " زيدٌ " فسوف أوافق على أن اسمّيك أحمداً ! ) ويتمالك الموظف أعصابه ويسأل النحوي : ( ولِمَ ذلك كلّه ؟ ) ، فيقول : ( لأنَّ لي صديقاً نحويّاً يزعم أنَّه لا يجوز أنْ يتزاحم على المقعد الوظيفي الواحد رجلان ، وأنا أقول بل يجوز التزاحم ويجوز أنَّ يُضاف ( موظف ) على رأس