القرآني هي آخرة الوجود كله وهي مطلقة المعنى ومعلومة ، وإضافة الدار إليها إنَّمَا هو لتعريف الدار . فليست الدار والآخرة شيئاً واحداً في المعنى . يدلّنا على ذلك استعمالات القرآن للفظي ( الدار ) و ( الآخرة ) ، مثل قوله تعالى : * ( وَالآخرةِ خَيرٌ وَأبقَى ) * ( الأعلى 17 ) ، حيث جاءت بمفردها . ومثل قوله تعالى : * ( سَأُرِيكُم دَارَ الفَاسِقِين ) * ( الأعراف 145 ) ، حيث أُضيفت لفظة ( الدار ) إلى لفظ آخر ، والمعنيُّ بها دارَهُم الأولى لا الآخرة كما يدلّ عليه النظام .
وقوله : * ( فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ ) * ( القصص 81 ) ، فداره هنا هي مسكنه وما تبعه مما يدور عليه أمر حياته ، وليست هي آخرته .
3 . أمَّا استشهادهم بقوله تعالى * ( وَلَلدَارُ الآخرةِ خَيرٌ ) * ( الأنعام 32 ) .
لإفادة تقدير الآية الأولى على أسلوب الثانية ، فقد عدَّه المنهج مصيبةً جديدةً فوق المصيبة الأولى ، لأنَّ هذا التركيب يتحدّث عن قضيةٍ أخرى غير تلك ، وفيها من الإعجاز ما يبهر العقول ويحيّر الألباب ويكشف عن أسرارٍ من غوامض هذا النظام الصارم ، ولكن شرحها يطول لذلك فإنّها ستأتي في موضعها واضحةً وظاهرةً ظهور الشمس في رائعة النهار إن شاء الله تعالى .
4 . قوله تعالى * ( جَنّاتٍ وَحَبِّ الحَصيد ) * ( ق 9 ) ، وقوله تعالى : * ( وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغَربِيّ ) * ( القصص 41 ) ، فالأمر فيهما كذلك ، إذ الحصيد صفةٌ للحَبِّ وليس هو الحَبَّ نفسه ، ولو تدبّروا القرآن لوجدوا هذه الصفة تطلق على أشياء أخرى كما سيأتيك .
وزعمهم أنَّ ( الجانب ) و ( الغربي ) واحدٌ هو أكثر غرابةً لأنَّ لفظ ( جانب ) سيظلّ مجهولاً ما لم يُضَف إلى جهةٍ من الجهات ، فإضافته إلى جهةٍ معلومةٍ قد جعلت من هذه الجهة في عين الوقت صفةً له ، وفيه إشارةٌ لطيفة ولكن ما أبعدهم عنها ! .
دحض جواب البصريين وإذا كان رأي الكوفيين بهذه الغرابة ، فإنَّ ردَّ البصريين أغربُ وأعجبُ حيث قالوا على ما في نصّ الأنباري المذكور سابقاً :
( أمَّا الجواب عن كلمات الكوفيين : . . أمَّا ما احتجوا به فلا حجّة لهم فيه لأَنَّه كلّه