اللَّه عقله وخوفه من ترك النظر بالخواطر ، فلما رأى الكوكب - وقيل : هي الزهرة - رأى عظمها وإشراقها وما هي عليه من عجيب الخلق وكان قومه يعبدون الكواكب ويزعمون أنها آلهة قال : هذا ربي ؟ على سبيل الفكر والتأمل لذلك ، فلما غابت وأفلت وعلم أن الأفول لا يجوز على اللَّه علم أنها محدثة صغيرة لتنقلها وكذلك كانت حاله في رؤية القمر والشمس .
وقال في آخر كلامه : « إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والأَرْضَ حَنِيفاً وما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ » وكان هذا القول منه عقيب معرفته باللَّه وعلمه بأن صفات المحدثين لا تجوز عليه .
فان قيل : كيف يجوز أن يقول : هذا ربى مخبرا ؟ وهو يجوز أن يكون مخبره لا على ما أخبر ، لأنه غير عالم بذلك ، وذلك قبيح في العقول ، ومع كمال عقله لا بد أن يلزمه التحرز من الكذب ؟
قلنا : عن ذلك جوابان :
أحدهما : أنه قال ذلك فارضا مقدرا لا مخبرا ، بل على سبيل الفكر والتأمل كما يقول الواحد منا لغيره إذا كان ناظرا في شيء وممثلا « 1 » بين كونه على احدى صفتيه : أنا أفرضه على أحدهما لننظر فيما يؤدي ذلك الفرض اليه من صحة أو فساد ولا يكون بذلك مخبرا ، ولهذا يصح من أحدنا إذا نظر في حدوث الأجسام وقدمها أن يفرض كونها قديمة ليبين ما يؤدي اليه ذلك الفرض من الفساد .
والثاني : أنه أخبر عن ظنه وقال : يجوز أن يكون المفكر المتأمل ظانا في حال نظره وفكره ما لا أصل له ، ثم يرجع عنه بالادلة والعلم ، ولا يكون ذلك منه قبيحا .
فان قيل : ظاهر هذه الآيات يدل على أن ابراهيم ما كان رأى هذه الكواكب