وهذا الذي ذكروه ان جعل دليلا على أنه كان يجوز أن يتعبد النبي بالاجتهاد كان صحيحا ، وان جعل دليلا على أنه كان متعبدا به فليس فيه دليل عليه ، لأنا قد بينا أن إسرائيل ما حرم ذلك الا بإذن اللَّه ، فمن أين أنه كان محرما له من طريق الاجتهاد ؟
فصل : قوله « قُلْ صَدَقَ اللَّه فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً » الاية : 95 .
الصحيح أن شريعة نبينا ناسخة لشريعة كل من تقدم من الأنبياء ، وأن نبينا لم يكن متعبدا بشريعة من تقدم وانما وافقت شريعته شريعة ابراهيم ، فلذلك قال اللَّه تعالى « فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ » والا فاللَّه تعالى هو الذي أوحى بها اليه وأوجبها عليه وكانت شريعة له .
فان قيل : إذا كانت الشرائع بحسب المصالح ، فكيف رغب في شريعة الإسلام بأنها ملة ابراهيم عليه السّلام ؟
قلنا : لان المصالح إذا وافقت ما تميل اليه النفس ويتقبله العقل بغير كلفة كانت أحق بالرغبة ، كما أنها إذا وافقت الغنى بدلا من الفقر كانت أعظم في النعمة ، وكان المشركون يميلون الى اتباع ملة ابراهيم ، فلذلك خوطبوا بذلك .
والحنيف : المستقيم الدين الذي على شريعة ابراهيم في حجه ونسكه .
فصل : قوله « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وهُدىً لِلْعالَمِينَ » الاية : 96 .
البركة الثبوت من قولك برك بركا وبروكا إذا ثبت على حاله ، فالبركة ثبوت الخير بنموه وتزايده ، ومنه البركاء « 1 » في الحرب ، ومنه البركة شبه حوض يمسك الماء لثبوته فيه ، ومنه قول الناس تبارك اللَّه لثبوته لم يزل ولا يزال وحده .
فصل : قوله « ومَنْ دَخَلَه كانَ آمِناً ولِلَّه عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْه