إبراهيم باللسان ، ولما عجزوا وأفحموا أعلنوا عليه الحرب ، وحاولوا الخلاص منه باحراقه في النار ، تماما كما يفعل المستعمرون في هذا العصر ، يبثون دعايات التضليل والتمويه عن طريق الصحف والإذاعات والأبواق المأجورة ، فان أخفقوا دبروا مؤامرات الانقلاب ، فان فشلوا ألقوا قنابل « النابالم » وغيرها على الآمنين والمستضعفين .
قال الذي أطغاه الجاه والمال لإبراهيم : من ربك ؟ قال إبراهيم : ربي الذي يهب الحياة لمن يشاء ، ثم يزيلها ، ولا أحد يشاركه في ذلك . قال الطاغية :
وأنا أيضا أقدر على ذلك ، ثم أحضر رجلين ، فقتل أحدهما ، وأرسل الآخر . .
ولما رأى إبراهيم مغالطة الطاغية وتدليسه بالاعتماد على حرفية اللفظ ، متجاهلا وجه الحجة ، والمعنى المقصود جاءه بمثال آخر لا يمكن أن يغالط فيه ويدعيه ، وقال :
( فَإِنَّ اللَّهً يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ) .
لأنه عجز عن التمويه والتضليل ، وهكذا كل مبطل يلجأ في تلفيق حججه إلى التزييف والتدليس ، فإذا لم تنطل الحيلة أسقط في يده ، وأخذته الدهشة والحيرة .
وقال جماعة من المفسرين : ان إبراهيم عدل عن الجواب الأول ، وهو يحيي ويميت إلى جواب ثان ، وهو فأت بها من المغرب ، ليقطع الجدال عن قريب ، ولا يطيل النقاش . وقال الرازي والشيخ محمد عبده : ليس قوله : فأت بها من المغرب جوابا آخر ، بل هو انتقال من مثال ، لتوضيح الدليل ، إذ المعنى ان الذي أعطى الحياة هو الذي أتى بالشمس من المشرق ، وإذا استطعت التمويه على قومك بالمثال الأول فإنك أعجز من أن تموه عليهم في هذا المثال .
وسواء أكان قول إبراهيم جوابين ، أم مثالين فان الذي كفر قد أفحم ، وانما افحم لأنه مبطل ، وهو مبطل لأنه كافر . ( واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
الذين ظلموا أنفسهم بمناصرة الباطل ، ومعارضة الحق .
ولم تذكر الآية اسم الطاغية ، لأن المهم استخراج العبرة من القصة ، لا اسم ( بطلها ) . والمشهور انه نمرود بن كنعان بن سام بن نوح ، وقيل : هو أول من وضع التاج على رأسه ، وتجبر وادعى الربوبية . . وسنعود إلى قصة إبراهيم وقومه في سورة الأنبياء ، وغيرها ، حيث تدعو المناسبة .