ان القرآن حين يدعو إلى النظر في الكون فإنه يقول بلسان مبين ان دلائل الكون أصدق حجة ، وأقوى دلالة على وجود اللَّه من كل شيء ، حتى من الدور والتسلسل . قال بعض الحكماء : ان للَّه كتابين : كتابا يتلوه اللسان ، وكتابا يتلوه العقل ، وهو الكون .
أجل ، ان القرآن حث على دراسة العلوم الطبيعية ، وكل علم يعود على الانسانية بالخير والهناء ، ولكن حثه على العلم شيء ، وكونه كتابا في العلوم شيء آخر .
وأيضا لا يشك عارف بالقرآن وآياته ان معانيه لا تحصيها كثرة ، ولا يحيط بها عقل بالغا ما بلغ من العظمة ، وانما يدرك منها كل عالم ما تتسع له مؤهلاته ومواهبه ، وهي عميقة إلى أبعد الحدود ، فإذا اكتشف عالم معنى منها فإنه يكتشف طرفا من أطرافه ، وجهة من جهاته يستعين بها على معرفة بعض ما يحويه الكون . .
ولكن هذا شيء ، والحقائق العلمية التي يستنتجها الأخصائيون في مختبراتهم شيء آخر .
« ملحوظة » : اني ما مضيت في تفسير القرآن إلا قليلا ، حتى أيقنت ان أي مفسر لا يأتي بجديد لم يسبق إليه ، ولو بفكرة واحدة في التفسير كله يخالف فيها من تقدمه من أهل التفسير ، ان هذا المفسر لا يملك عقلا واعيا ، وانما يملك عقلا قارئا يرتسم فيه ما يقرأه لغيره دون محاكمة ، أو تقليم وتطعيم ، تماما كما يرتسم الشيء في المرآة على ما هو من لون وحجم . . وأيضا اكتشفت من تفسيري للقرآن ان معانيه لا يدركها ، ولن يدركها على حقيقتها إلا المؤمن حقا الذي اختلط الإيمان بدمه ولحمه . . وانسجم مع أهداف القرآن انسجاما كاملا . وهنا يكمن السر في قول الإمام أمير المؤمنين : ذلك القرآن الصامت ، وأنا القرآن الناطق .
ومما يعزز ويؤيد ان القرآن أولا وقبل شيء هو كتاب هدى ودين وشريعة وأخلاق وانه أنزل لأجل هذه الغاية قوله تعالى :
« كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ » .
وقوله : « هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وهُدىً ورَحْمَةٌ » . . وكفى دليلا على ذلك قول الرسول الأعظم ( ص ) إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . وقال الإمام