من مكة بعد ان جاء نصر اللَّه والفتح عملا بهذه الآية .
( والْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) . هذا تعليل لجواز قتل المشركين ، والمراد بالفتنة الشرك ، وعليه يكون المعنى انما جاز لكم قتل المشركين ، لأن ذنب الشرك أشد قبحا من ذنب القتل ، وفي بعض التفاسير ان اللَّه سبحانه أراد بقوله : ( والْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) ان مشركي مكة في بدء الدعوة كانوا يفتنون من أسلم عن دينه بالإيذاء والتعذيب ، والإخراج من الوطن ، ومصادرة الأموال ، وهذه الأعمال فتنة ، وهي أشد قبحا من القتل ، ومن أجل هذا جاز لكم قتلهم وإخراجهم من ديارهم . . ومهما يكن ، فان المراد من لفظ الفتنة في القرآن الكريم غير النميمة ونقل الكلام ، كما توهم الكثيرون .
( ولا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ، حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ ) . هذا شرط لجواز القتال في الحرم الشريف الذي حرم اللَّه القتال فيه إلا إذا انتهكت حرمته بالقتال .
( فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ) . لأنهم ابتدأوا وانتهكوا حرمة المسجد الحرام ، والبادئ ليس بأظلم ، بل هو وحده الظالم .
( فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهً غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . ورعاية السياق تقتضي أن يكون المعنى إن كفوا عن القتال عند المسجد الحرام فكفوا عنهم واغفروا لهم ، لأن السبب الموجب لقتالهم هو ابتداؤهم بالقتال ، فإن كفوا زال السبب . وقال كثير من المفسرين : المعنى ان تابوا عن الكفر وآمنوا باللَّه ورسوله ، لأن الكافر لا يغفر اللَّه له بترك القتال ، بل بترك الكفر . . وهذا تحكم على اللَّه جل وعلا ، فإنه يغفر لمن يشاء ، حتى ولو كان كافرا . . أجل ، انه تعالى لا يعذب المحسن قطعا ، لأنه عادل ، ولكنه يعفو عن المسئ ، مهما كانت الإساءة ، لأنه كريم رحيم .
( وقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ) أي ان الجهاد من أجل الايمان باللَّه ، والقضاء على الجحود واجب ما دام على وجه الأرض أثر للشرك والإلحاد ، فإذا زال الإلحاد ، وآمن الناس جميعا باللَّه سقط وجوب الجهاد .
وتجمل الإشارة إلى ان وجوب الجهاد من أجل انتشار الإسلام مشروط بإذن الإمام العادل ، ولا يجوز بحال من غير أمره . أما الجهاد دفاعا عن الدين والنفس فان وجوبه مطلق غير مقيد بشيء .