للزم تعدد الوعد من اللَّه لموسى بتعدد الليالي ، لأن الوعد هو العامل بالليالي . .
ومعلوم ان اللَّه سبحانه لم يصدر منه لموسى الا وعد واحد موقت بانقضاء أربعين ليلة ، وعليه تكون كلمة انقضاء المحذوفة مفعولا به ثانيا لواعدنا ، وبعد حذفها أقيمت ( أربعين ) مقامها ، وأعربت اعرابها ، تماما كما تقول : اليوم ثلاثة من الشهر ، أي تمام الثلاثة ، لأن الواحد غير الثلاثة . وليلة تمييز .
المعنى :
بعد ان أهلك اللَّه فرعون ومن معه تنفس الإسرائيليون الصعداء ، وعادوا إلى مصر آمنين ، كما في المجمع ، ولم تكن التوراة قد نزلت بعد على موسى ، فسألوه ان يأتيهم بكتاب من ربهم ، فوعده اللَّه أن ينزل عليه التوراة ، وضرب له ميقاتا ، فقال لهم موسى : ان ربي وعدني بكتاب ، فيه بيان ما يجب عليكم أن تفعلوه ، وتذروه ، وضرب لهم ميقاتا أربعين ليلة ، وهذه الليالي - على ما قيل - هي ذو القعدة ، وعشر ذي الحجة .
وذهب موسى إلى ربه ليأتي قومه بالكتاب ، واستخلف عليهم أخاه هارون ، وقبل أن يمضي الميقات الموعود على غيابه عبدوا العجل من دون اللَّه ، وظلموا بذلك أنفسهم ، وهذا هو المعنى الظاهر من قوله سبحانه : « وإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وأَنْتُمْ ظالِمُونَ » .
وبعد ان رجع موسى إلى قومه تابوا من شركهم ، ورجعوا إلى ربهم ، فقبل اللَّه توبتهم . . وهذه نعمة ثالثة من اللَّه عليهم ، واليها أشارت الآية : « ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ » .
أما النعمة الرابعة فهو كتاب اللَّه : « وإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ والْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » . وهذا الكتاب هو التوراة الجامعة لبيان الحق والباطل ، والحلال والحرام ، أما عطف الفرقان على الكتاب فهو من باب عطف الصفة على الموصوف ، كقوله سبحانه في الآية 48 من الأنبياء : « ولَقَدْ آتَيْنا مُوسى وهارُونَ الْفُرْقانَ وضِياءً وذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ » .
واختصارا ان اللَّه جل وعز ذكّر الإسرائيليين في الآيات المتقدمة بأربع نعم :