هذا ، إلى ان المصريين كانوا يسخّرون اليهود في قطع الأحجار ونقلها ، وحفر الأقنية ، وما إلى ذلك من الأعمال الشاقة .
وجاء الخطاب لليهود المعاصرين لمحمد ( ص ) لأنهم على دين أسلافهم ، وراضون بعملهم ، ومن أحب عمل قوم شاركهم فيه .
( وفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ) أي ان اللَّه سبحانه قد اختبركم - يا بني إسرائيل - في السراء والضراء معا ، لتعرفوا : هل تجاهدون وتصبرون في الجهاد صبر الكرام في الأولى ، وتشكرون على الثانية ، أو انكم تخضعون وتستسلمون في الشدة ، وتكفرون وتطغون في الرخاء شأن كل جبان لئيم .
وتجدر الإشارة إلى ان اللَّه سبحانه لا يختبر عبده ليعلم ما هو عليه . . كلا ، فإنه يعلم بكل كائن قبل أن يكون . . ولكنّه يختبر العبد ، لإقامة الحجة عليه ، إذ لا دعوى لمن لا حجة له ، حتى ولو كان المدعى به ثابتا في علم اللَّه تعالى .
وأشار سبحانه إلى النعمة الثانية على بني إسرائيل بقوله : ( وإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ ) أي فصلنا البحر وجعلناه اثني عشر طريقا على عدد الأسباط ، والباء من ( بكم ) للسببية أي بسببكم ، والسبط هو ولد الولد ، والأسباط من بني إسرائيل عشائر من نسل يعقوب .
والخلاصة لقد كان اليهود في غاية الضعف والمذلة ، وكان خصمهم في غاية القوة والعزة ، فعكس اللَّه الآية على يد نبيه موسى ( ع ) فصاروا هم الأعزاء ، وخصمهم الذليل ، وعاينوا ( وأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ) ذل من بالغ في إذلالهم ، وهلاك من حاول إهلاكهم ، وبهذا لزمتهم الحجة ، ووجب عليهم أن يتعظوا ويعتبروا ولا يعاملوا غيرهم بما كان يعاملهم الغير .
وما أشبه معاملة اليهود اليوم لعرب فلسطين بمعاملة الفراعنة لليهود من قبل . .
وستنعكس الآية ، وتدور الدائرة على اليهود كما دارت على فرعون لا محالة ، وعليهم في يد بختنصر والرومان . . ان للباطل جولة ، ثم يضمحل . . وأعجب ما في الإنسان انه يقع في الشدائد ، فإذا أنجاه اللَّه منها طغى وبغى ، ونسي كل شيء .
وقال كثير من أهل التفسير : ان البحر المذكور هو بحر القلزم أي البحر الأحمر .