قوله تعالى : * ( أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وما كانُوا مُهْتَدِينَ ) * آية ( 16 ) .
وهذه الآية للإشارة بها إلى من تقدّم ذكره من المنافقين ، وقال ابن عباس : اشتروا الكفر بالايمان [1] .
وقال قتادة : استحبوا الضلالة على الهدى [2] .
وقال ابن مسعود : أخذوا الضلالة وتركوا الهدى [3] .
وقال مجاهد : آمنوا ثم كفروا [4] ، وهذه الأقوال متقاربة المعاني .
فإن قيل : كيف اشتروا هؤلاء القوم الضلالة بالهدى ، وانّما كانوا منافقين لم يتقدّم نفاقهم إيمان ؟ فيقال فيهم باعوا ما كانوا عليه بضلالتهم التي استبدلوها منه ، والمفهوم من الشراء اعتياض شيء ببذل شيء مكانه عوضاً منه ، وهؤلاء ما كانوا قط على الهدى .
قلنا : من قال بأنّ الآية مخصوصة بمن كفر بعد إيمانه ، فقد تخلّص من هذا السؤال ، غير أنّ هذا لا يصحّ عندنا ، من أنّ من آمن بالله لا يجوز أن يكفر ، وإن حملنا على إظهار الإيمان ، لم يكن في الآية توبيخ ، ولا ذم ، والآية تتضمّن التوبيخ على ما هم عليه ؛ لأنّها إشارة إلى ما تقدّم وتلك صفات المنافقين .
والجواب عن ذلك أن نقول : إنّ من ارتكب الضلالة وترك الهدى ، جاز أن يقال ذلك فيه ويكون معناه : كان الهدى الّذي تركه هو الثمن الّذي جعله