يطغى طغياناً ، إذا تجاوز حده ، ومنه قوله : * ( كَلاّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى ) * [1] أي يتجاوز حدّه ، والطاغية : الجبار العنيد ، وقال أمية بن أبي الصلت :
ودعا الله دعوة لات هنا * بعد طغيانه فظل مشيرا [2] يعني لا هنا ، ومعناه في الآية : في كفرهم يترددون ، والعمه : التحير ، يقال : عمه يعمه عمهاً فهو عمه ، وعامه : أي حائر عن الحقّ ، قال رؤبة :
ومهمهٍ أطرافه في مهمه * أعمى الهدى بالحائرين [3] العُمّه جمع عامه .
فإن قيل : كيف يخبر الله أنّه يمدّهم في طغيانهم يعمهون ، وأنتم تقولون : إنّما أبقاهم ليؤمنوا لا ليكفروا ، وأنّه أراد منهم الإيمان دون الكفر ؟
قيل معناه : إنّه يتركهم وما هم فيه لا يحول بينهم وبين ما يفعلونه ، ولا يفعل بهم من الألطاف التي يؤتيها المؤمنين ، فيكون ذلك عقوبة لهم واستصلاحاً ، ونظير ذلك قول القائل لأخيه ، إذا هجره أخوه متجنياً عليه ، إذا استعتبه فلم يراجعه : سأمدّ لك في الهجران مداً ، يريد سأتركك وما صرت إليه تركاً ينبهك على قبح فعلك ، لا أنّه يريد بذلك أن يهجره أخوه ، ولكن على وجه الغضب والاستصلاح والتنبيه .