قوله تعالى : * ( اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَنِهِمْ يَعْمَهُونَ ) * آية ( 15 ) .
المعنى : والله تعالى لا يجوز عليه حقيقة الاستهزاء لأنّها السخرية على ما بينّاه ، ومعناها من الله هو الجزاء عليها ، وقد يسمّى الشيء باسم جزائه ، كما يسمّى الجزاء باسم ما يستحق به ، كما قال تعالى : * ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ) * [1] وقال : * ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ) * [2] وقال : * ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا ) * [3] والأول ليس بعقوبة ، والعرب تقول : الجزاء بالجزاء ، والأول ليس بجزاء والبيت الأوّل شاهد بذلك .
وقيل : إنّ استهزاءهم لما رجع عليهم جاز أن يقول عقيب ذلك : * ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ) * يراد به أنّ استهزاءهم لم يضر سواهم وأنّه دبر [4] عليهم وأهلكهم ، يقول القائل : أراد فلان أن يخدعني فخدعته أي دبر عليَّ أمراً فرجع ضرره عليه ، وحكي عن بعض من تقدّم أنّه قال : إذا تخادع لك إنسان ليخدعك فقد خدعته .
وقيل أيضاً : إنّ الاستهزاء من الله : الاملاء الّذي يظنونه إغفالاً ، وقيل : إنّه لما كان ما أظهره من اجراء حكم الإسلام عليهم في الدنيا بخلاف ما أجراه عليهم في الآخرة من العقاب وكانوا فيه على اغترار به كان كالاستهزاء ، وروي في الأخبار أنّه يفتح لهم باب جهنم ، فيظنون أنّهم يخرجون منها ، فيزدحمون