وحيث معرفة أولئك إنّما تكون مِن قبله بتعريف رسوله أمته بهم ، وهذا ما كان كما في حديث الثقلين الذي مرّت الإشارة إليه ، فالتمسك بهما كفيل بضمان السلامة والأمن من الضلالة ما داموا متمسكين بهما .
غير أنّ الأمّة بعد وفاته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دبّت في بعض أفرادها حسيكة النفاق ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه ، فهتف بهم واستجاب له كثير من الناس ممن حق عليه العذاب ، فلم يسلم من التشريق والتغريب إلاّ الفرقة الوسطى ، فكانوا هم الوسط بين الإفراط والتفريط ، وهم الركب المعتدل على الجادة الواضحة والمحجّة البيضاء التي تركهم عليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
فقد اتبعوا كتاب الله تعالى ، وأخذوا تنزيله وتأويله من الراسخين في العلم وهم أهل بيته ، وعلي أمير المؤمنين كان أولهم الذي قال فيه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مما لم يقله في حق أيّ أحد من الصحابة ، وهو قوله : “ علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ” [1] .
لذلك انصرف بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وبعد أن صرفت عنه الخلافة إلى جمع القرآن تنزيلاً وتأويلاً ، وعرضه على الخالفين فأبوا قبوله ، وهو أول كتاب جمع التنزيل والتأويل ولم يسبقه أحد من المسلمين إلى مثله ، وهو الذي كان يتمنّى ابن سيرين - وهو من مشاهير التابعين - الحصول عليه فقال : فطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه - كما في الإتقان [2] - .