فكرّر لفظ بين فقد أخطأ ، لأنّ في البيتين لو لم تكرر بين لكان الفعل مستحيلاً ، ألا ترى أنّه لو قال : الشمس قد فصلت بين النهار لم يكن كلاماً صحيحاً ، وكذلك البيت الآخر وليس كذلك الآية ، لأنّه لو قال إياك نعبد وسكت لكان مستقلاً بنفسه ، ولهذا طعن به بعض المفسّرين . وعندي أنّ هذا ليس بطعن ، لأنّه مغالطة لأنّه لو قال بين النهار والليل لكان كلاماً صحيحاً وإنّما كرر بين ، وكذلك لو قال إياك نعبد ونستعين كان كلاماً صحيحاً وإنّما كرر * ( إيَّاكَ ) * تأكيداً ، والعلّة ما ذكرناه أولاً .
قوله : * ( اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ) * .
ومعنى إهدنا يحتمل أمرين :
أحدهما : أرشدنا ، كما قال طرفة :
للفتى عقل يعيش به * حيث يهدي ساقه قدمه [1] والثاني : وفّقنا كما قال الشاعر :
فلا تعجلني هداك المليك * فإنّ لكل مقام مقالا [2] أي وفقك .
والآية تدلّ على بطلان قول من يقول : لا يجوز الدعاء بأن يفعل الله ما يعلم أنّه يفعله لأنّه عبث ، لأنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان عالماً بأنّ الله يهديه الصراط المستقيم ، وأنّه قد فعل ذلك ، ومع ذلك كان يدعو به ، وقد تكون الهداية بمعنى أن يفعل بهم اللطف الّذي يدعوهم إلى فعل الطاعة ، والهدى يكون أيضاً بمعنى