فإن قيل : هلاّ قدم طلب المعونة على فعل العبادة لأنّ العبادة لا تتم إلاّ بتقدم المعونة أو لا ؟ قيل : في الناس من قال المراد به التقديم والتأخير ، فكأنّه قال : إياك نستعين وإياك نعبد ، ومنهم من قال : ليس يتغيّر بذلك المعنى ، كما انّ القائل إذا قال : أحسنت إليَّ فقضيت حاجتي أو قضيت حاجتي فأحسنت إليَّ ، فإنّ في الحالين المعنى واحد .
قال قوم : إنّهم سألوا المعونة على عبادة مستأنفة لا على عبادة واقعة منهم ، وإنّما حسن طلب المعونة ، وإن كان لا بدّ منها مع التكليف على وجه الانقطاع إليه كما قال : * ( رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ ) * . ولأنّه قد لا يكون في إدامته التكليف اللطف ، ولا في فعل المعونة به ، إلاّ بعد تقدّم الدعاء من العبد ، وإنّما كرّر إياك ، لأنّ الكاف التي فيها هي كاف الضمير التي كانت تكون بعد الفعل في قوله نعبدك ، فلما قُدّمت ، زيد عليها إيّا لأنّ الاسم إذا انفرد لا يمكن أن يكون على حرف واحد فقيل : إياك ، ولمّا كانت الكاف يلزم تكرارها لو كرر الفعل وجب مثل ذلك في إياك ، ألا ترى أنّه لو قال : نعبدك ونستعينك ونستهديك لم يكن بد من تكرير الكاف ، وكذلك لو قدم فقيل : إياك نعبد وإياك نستعين ، وفيه تعليم لنا أن نجدّد ذكره عند كلّ حاجة ، ومن قال انّه يجري مجرى قول عدي بن زيد العبادي :
وجاعل الشمس مصراً [1] لا خفاء به * بين النهار وبين الليل قد فصلا وكقول أعشى همدان :
بين الأشج وبين قيس باذخٌ * بَخٌ بَخٌ لوالده وللمولود [2]